القومية العربية .. والتحديات الخارجية ..!!

10:45 2023/04/27

بدون مقدمات الأمة التي لا تمتلك مشروع قومي هي أمة فاشلة وضعيفة ومستباحة وعاجزة ، وتعاني من الشتات والفرقة والانقسام والصراعات الداخلية ، فالمشروع القومي لأي أمة هو بمثابة صمام الأمان لها والقوة الدافعة لإنطلاقها نحو التنافس الحضاري بكل ثقة واقتدار ، ومصدر قوة وعزة وكرامة وفخر لكل أبنائها ، وسياج منيع لحماية ارضها وثرواتها وخيراتها من الاعتداءات الخارجية والاطماع الاستعمارية ، والمشروع القومي هو الفكرة السامية والعظيمة التي يلتف حولها الجميع ويجمع عليها الجميع ، ويتفانون في الدفاع عنها والتضحية في سبيلها ، ولا يمكن نجاح أي عمل في هذه الحياة صغير أو كبير على مستوى الأفراد أو الشعوب أو الأمم إذا لم ترسم معالمه وتحدد أهدافه وبرامجه وغاياته في اطار مشروع واضح المعالم ، يتم الالتزام بضوابطه والسير على هداه ، ونجاح أي أمه هو نتاج نجاح مشروعها القومي ، الذي يتضمن منهجها الفكري والعلمي والتقدمي والسياسي والاقتصادي والحضاري ..!! 
 
إن أي أمة لا تمتلك مشروع قومي شامل هي كالجسد بلا عقل وبلا قيادة وبلا هدف ، هي كالأعمى الذي يتحبط في الظلام ولا يعرف إلى أين يسير وفي أي طريق يسير ، فالمشروع القومي هو عقل الأمة وفكرها وقوتها ونورها وضميرها وقائدها نحو الريادة والحضارة ، والأمة التي تمتلك مشروع قومي لن تهزم ولن تذل ولن تهان ولن تستعبد ولن تستعمر ولن تخترق ولن تستباح ، فالمشروع القومي هو حياة الأمة ووجودها وكيانها وعنوان قوتها وسيادتها ، فالقومية كانت وما تزال وستظل مصدر إلهام وتماسك وقوة لكل أبنائها ، وكل الدعوات المناطقية والمذهبية والطائفية والعنصرية والفئوية تصغر وتتقزم في حضور القومية ، لأنها توحد القلوب وتصقل الأفكار وتشحذ الهمم نحو غايات وأهداف كبيرة وعظيمة ..!! 
 
لذلك تعمل القوى الدولية ذات الأطماع الاستعمارية عبر التاريخ البشري على اجهاض ومحاربة المشاريع القومية للأمم الأخرى ، حتى تستبيح أراضيها وتنهب مقدراتها وامكانياتها وثرواتها ، فالأمة التي ليس لديها مشروع قومي هي أمة بلا سلاح وبلا خطوط دفاع ، من السهل هزيمتها واذلالها والسيطرة عليها والتحكم في قرارها ونهب ثرواتها ..!! 
 
والشاهد من ذلك أن ما تعيشه الأمة العربية من ضعف وتمزق وعجز وتبعية وتراجع وتخلف وفشل هو النتيجة الطبيعية لعدم التفافها حول المشروع القومي العربي وعدم تمسكها به ، ومن الطبيعي مشاهدة تنامي وتطور وتصاعد الدعوات والصراعات والخلافات المناطقية والمذهبية والطائفية بين أفرادها ، ففي ظل غياب المشروع القومي الكبير الجامع والشامل من الطبيعي أن تظهر وتبرز المشاريع الصغيرة باختلاف إنواعها واشكالها ، وفي ظل غياب المشروع القومي من الطبيعي أن تتشتت القوى وتهدر الطاقات وتستنزف الثروات على مشاريع صغيرة هنا وهناك ، فالمشروع القومي الكبير يوحد القوى ويجمع الشتات ويستثمر الطاقات والقدرات نحو الاهداف والغايات المشتركة ، وما يحدث اليوم في العالم العربي من صراعات وحروب وتدخلات خارجية في الشأن العربي ، هو النتيجة الطبيعية لغياب المشروع القومي العربي الجامع ، ولظهور وبروز المشاريع الصغيرة المتصارعة والمتنافسة ..!! 
 
وإذا كانت القوى الدولية الاستعمارية هي التي تحارب المشاريع القومية حول العالم ، فإن المشروع القومي العربي يتعرض لحرب مزدوجة حرب دولية واقليمية وداخلية ، فهناك بالاضافة للمشاريع الدولية الاستعمارية مشاريع اقليمية توسعية ( المشروع التركي والمشروع الفارسي والمشروع الاسرائيلي ) ، تعمل جميعها على محاربة القومية العربية والقضاء عليها ، وفوق هذا وذاك هناك قوى داخلية موالية لتلك القوى ( جماعات الاسلام السياسي ) تحارب المشروع القومي العربي بكل شراسة خدمةً للمشاريع الاقليمية التوسعية الموالية لها والمدعومة منها ، منهمة القومية العربية بأنها تتعارض مع عالمية الدين الإسلامي العابرة للحدود والقوميات ، وذلك رغم ما قدمته القومية العربية في سبيل نشر الاسلام من تضحيات جسيمة وعظيمة ، وبذرائع وحجج دينية يتم حرمان العرب من هويتهم وقوميتهم ووجودهم وكيانهم ، وجعلهم مجرد تابع لقوميات أخرى تتحكم بهم وتسيطر وتهيمن عليهم ، وذلك رغم ان الاسلام قد حفظ لكل شعب وحتى كل قبيلة هويتها فكيف الحال بهوية أمة بحجم الأمة العربية ، قال تعالى (( يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا )) ، كما أنه لا يوجد أي تعارض بين القومية والدين ، فمن حق كل أمة أن تفتخر بهويتها وتراثها وعاداتها وتقاليدها ولغتها وثقافتها التي تميزها عن غيرها من الأمم ..!! 
 
وهو ما يؤكد بأن كل الدعوات والمسميات ليست إلا وسائل يتم استغلالها واستخدامها لجعل العرب أمة بلا هوية وبلا مشروع خدمة لمشاريع قومية إقليمية أخرى ، تعمل على جعل العرب مجرد أتباع يدورون في فلكها ويعملون في خدمتها ، ولن تقوم للعرب قاثمة ما لم يلتفوا حول هويتهم وقوميتهم العربية ، ففي ظل حكم الاحزاب القومية العربية لبعض الاقطار العربيه عاش العرب مرحلة تاريخية حافلة بالعطاء والإنجاز والتلاحم والتقارب والنهضة والبناء والتقدم والأمن والاستقرار والقوة ، ولكن بعد أن تآمرت القوى الدولية والمشاريع الاقليمية التوسعية والمشاريع الداخلية الصغيرة المذهبية والطاثفية ( جماعات الاسلام السياسي ) على المشروع القومي العربي ممثلا بالقوى والاحزاب القومية العربية ، دخلت الدول العربية مرحلة من الفوضى والعنف والصراع والانقسام والتراجع ، وبرزت وتعالت أصوات المشاريع الداخلية الصغيرة المذهبية والطائفية ، لتشعل وتؤجج نار الفتنة بين أبناء الشعوب العربية ، ولن يعود السلام والأمن والاستقرار إلى ربوع البلاد العربية إلا بعودة القوى والاحزاب القومية العربية التي تحمل المشروع القومي العربي الجامع ، وعبرها وعلى يدها سيتم القضاء على المشاريع المذهبية والطائفية الصغيرة التي تعمل في خدمة مشاريع اقليمية خارجية توسعية . نقطة آخر السطر ..!!