صناعة الآلهة في حياة البشر ..!!

02:04 2023/04/22

لم يتوقف الحكام والكهنة يوماً عن صناعة أنواع مختلفة ومتعددة من الآلهة لغرض فرضها على الشعوب لعبادتها وتقديسها وتعظيمها وفق شرائع قاموا بوضعها ، وهناك أنواع من الآلهة لم يصنعها الحكام والكهنة كالظواهر الطبيعية والمخلوقات ولكنهم وضعوا التشريعات والطقوس المختلفة لكيفية عبادتها والتقرب إليها وصنعوا حولها هالات من القداسة ، لتتحول من ظواهر ومخلوقات إلى آلهة تعبدها الشعوب والأمم ، ونوع الآلهة في كل مجتمع وحضارة بشرية يتوقف على عدة اسباب منها البيئة والحالة النفسية والارتقاء الفكري والحضاري ومدى الشعور بالعزة والكرامة والظروف السياسية والعادات والتقاليد وغيرها ، فمن المجتمعات والحضارات البشرية من عبدت الشمس والقمر والنجوم والكواكب ( الحضارة اليمنية السبئية انموذجاً ) ، ومنها من عبدت الاشجار والاحجار والحيوانات ، وكل ذلك لهدف مشترك وهو السيطرة الروحية والنفسية والسلوكية على افراد المجتمعات بما يتوافق مع سياسات ومصالح الكهنة والحكام  ..!! 
 
كل ذلك رغم أن الإنسان القديم كان يشعر بأن هناك قوة خفية هي من تدير شئون هذا الكون وتتحكم فيه ، لكن عادات وتقاليد الآباء والأجداد كانت هي المسيطرة على تفكيره ، والبعض الآخر كان يظن بأن الآلهة التي يعبدها هي من تقربه من تلك القوة الخفية ، حتى ظهرت الديانات السماوية وأرسل الله الرسل مبشرين ومنذرين ودعاة ، وأمدهم بالآيات والبينات والمعجزات التي تؤكد بأن القدرة الإلهية هي من تسيطر على هذا الكون وتتحكم به ، ورغم ذلك وجد الرسل عليهم السلام الكثير من الصد والرفض لدعوتهم خصوصا من الكهنة والحكام والمتنفذين ، وصولاً إلى الاعتداء عليهم وحتى قتلهم انتصاراً للآلهة التي كان يعبد الآباء والأجداد ويقدسها الحكام والكهنة، ومن كان يؤمن بالرسل هم الضعفاء والمساكين ، فكان الرد الإلهي يأتي صاعقاً وانتقامياً وصولاً إلى إهلاك تلك الأمم والحضارات الضالة والظالمة ..!! 
 
وقد تطورت صناعة الالهة في حياة بعص المجتمعات البشرية وصولاً إلى صناعة آلهة من البشر ، يقدسونها ويعظمونها ( البشر الآلهة ) ، ورغم دعوات الديانات السماوية.الواضحة على توحيد الألوهية إلا أنها لم تسلم من الاختراق والالتفاف والتشوية والتحريف ، وذلك عن طربق صناعة هالة من القداسة والتعظيم حول بعض البشر سواء للرسل عليهم السلام أو لبعض نسلهم أو لبعض رجال الدين أو لبعض الأولياء الصالحين وصولاً إلى منحهم كل أو بعض صفات الألوهية ( عيسى عليه السلام في الديانة المسيحية ، وأئمة آل البيت عند الإثنى عشرية انموذجاً ) ، كل ذلك رغم تعارض هكذا دعوات وأفكار مع وحدانية الله تعالى ومع أنه وحده من يستحق التقديس والتعظيم ، وأن الرسل والانبياء عليهم السلام مجرد رسل ومبلغين ودعاة ومبشرين ومنذرين ولا يملكون من الأمر شيئاً ، بل لا يملكون حتى نفع أنفسهم ، بل إن هكذا دعوات تتصادم مع غايات وأهداف الدين الإسلامي الذي جاء لتحرير البشر من عباده العباد إلى عبادة رب العباد ..!! 
 
واذا كانت هكذا دعوات قد لقيت قبولاً ورواجاً في بعض المجتمعات نظراً لحالة الجهل والتخلف التي كانت سائدة في عصور سابقة ، فإنه من المستغرب جدا استمرار قبول ورواج هكذا دعوات تتعارض مع الشرع والعلم والعقل والمنطق في وقتنا الحاضر ، خصوصاً بعد التطورات العلمية والتكنولوجية والفكرية والثقافية الكبيرة والمذهلة التي حققها البشر مؤخراً ، والتي تنسجم مع التشريعات الإلهية التي تؤكد على أن هذا الكون يتكون من مجرات سماوية عملاقة لا منتهية ويتحرك وفق ناموس غاية في الدقة والانتظام ، وأن هناك قدرة وقوة عظيمة هي من تسيطر عليه وتديره بحكمة ودقة عظيمة ، ولتظهر حقيقة الانسان بأنه لا شيء يذكر في نطاق هذا الكون الفسيح ، فكيف بمن لا زالوا يسخرون وقتهم وجهدهم في صناعة آلهة من البشر ، والباحث في هذا الموضوع سوف يدرك على الفور بأن جهودهم ودعواتهم تلك ليست لأهداف وغايات دينية بل لغايات سياسية وسلطوية بحته ، لأن هكذا دعوات وأفكار الهدف الحقيقي منها هو صناعة المبررات لاستعباد البشر وسلبهم حقوقهم وحرياتهم وتخديرهم واخضاعهم لسلطتهم ونفوذهم ، لنخرج بنتيجة مهمة جدا مفادها أن دعوات تقديس وتأليه البشر دعوات سياسية وسلطوية مغلفة بغلاف ديني ، لأن من يستخدمها ويمارسها في كل وقت وزمان هم أصحاب المصالح السياسية والأطماع السلطوية ..!!