النخب اليمنية والنضال الوطني المزعوم!

12:47 2023/04/18

مازالت النخب السياسية اليمنية، وحتى اللحظة الراهنة، ومع كل الإخفاقات والفشل الذي أوصلت اليمن إليه، تمارس تدليسا واستغفالا وانتهازية وتلبيسا للمواقف بثياب الوطنية، ما إن تتوالى الأحداث وتتكشف خيوطها، سرعان ما يكشف القناع عن الوجه الآخر لتلك الأوكسترا الوطنية التي صدعت رؤوس الجماهير بها، ويزاح القناع عن الوجه الخفي من المصالح الشخصية أو الفئوية والمناطقية.
 
لا يستقيم النضال الوطني للنخب اليمنية وغياب المصداقية والشفافية والوضوح  مع رفقاء النضال الوطني. كما أنه لا يمكن لأي يمني يقدم نفسه ثائرا من أجل العدالة السياسية والاجتماعية، متبنيا قصة الكفاح للقضاء على التمييز بكافة أشكاله وألوانه، وهو في ذات الوقت يمارسه بصور وتخريجات شتى.
 
تكتفي كثير من النخب بما حققته من مكاسب سلطوية أو عوائد مالية، ضاربة عرض الحائط بقضية مهمة وجوهرية لا تأخذها في الحسبان، رغم حساسيتها وضريبتها الكبيرة التي ستعمل مستقبلا على تفاديها دون جدوى، تتمثل في فقدانها ثقة الجماهير بتوجهاتها الوطنية المزعومة، والتي تتكشف في اختبارات السلطة والنفوذ وما يتبعها من عوائد.
 
تمارس النخب اليمنية السياسية والتقافية والفكرية مغالطات تبدو في نظرها أنها، في نظر غالبية الشعب اليمني، منطقية، لكن يغيب عنها أن الشعب اليمني يدرك ويعي أنها ليست سوى ضرب من ضروب التذاكي الكاشف لمحاولات تلك النخب تمرير أهدافها التي تتقاطع مع كثير من الشعارات واللافتات المرفوعة، والتي ليست سوى حصان طروادة الذي تجيد كثير من النخب ركوبه، خصوصا عندما يكون الأمر متعلقا بمضمار السباق في البورصة السياسية أو الاقتصادية كعملة واحدة في سوق المتاجرة بحماس الجماهير ومطالبها.
 
تكاد تنفرد النخب اليمنية بشكل عام، قديمها وجديدها، بنزوع قياداتها أو بعضها نحو تخليق كانتونات أو لوبيات من المصالح والارتباطات البينية يتهيأ لها أنها تمنحها أرضا صلبة للبقاء وحصانة لمواقعها لفترة أطول وقدرة أفضل  لتوجيه دفة القيادة والتحكم بها وفق توجهاتها الشخصية، أو على الأقل ضمان السير طبقا لمحدداتها الفكرية أو السياسية أو الجغرافية، بينما هي تأكل من رصيدها النضالي المزعوم الذي عملت جاهدة على إقناع الآخرين به.
إن أسوأ ما ارتكبته وترتكبه النخب اليمنية ليس عجزها
أو فشلها في الإيفاء بشطحاتها السياسية أو الاقتصادية، بقدر ما تمارسه من انتهازية ونفاق وتدليس نضالي مخادع يخاطب عواطف الناس ويدغدغ مشاعرهم الوطنية الجياشة ورغبتهم في التغيير وطرق مسالك سياسية جديدة يظنون من خلالها أنها قد تخرجهم من التكلس والجمود الذي تربعت عليه نخب سئم الناس منها، كونها شاخت واستهلكت في صراعات كانت هي أحد أهم أسبابها.
 
المشهد اليمني يعاني من ازدحام نضالي وكثافة وطنية مزعومة تمثل عنوانا لكل أنواع المخاتلة وممارسة أسوأ أنواع استغلال العزف على أوتار الانسداد السياسي أو سأم الجماهير من النخب المعتقة، ورغبتها في إحداث ثقوب في جدارها المتصلب نحو فتح منافذ لجيل جديد يسدل الستار على التنظير الممجوج بالتشدق بالألفاظ الوطنية البراقة التي مل اليمنيون سماعها، من نخب ظلت ومازالت تصدح صباح مساء بالنضال والثورة ومبادئ الوطنية، بينما هي تنخر في جسد اليمن انفصاما وطنيا حتى الثمالة.
 
سيظل اليمن معلولا، طالما ظل متخما بنخب وقوى سياسية واجتماعية وثقافية تعاني من انفصام شاسع بين التنظير والسلوك،  أجادت التوزيع ولعب الأدوار بين السلطة والمعارضة، بينما لم تجد تقديم نماذج بناءة في تقديم حلول لمشكلات المجتمع اليمني الاقتصادية والتنموية زادت من  استمرار الصراعات وتوفير أدواتها وضياع الطاقات وقدرات الأجيال المتعاقبة في معارك ظن اليمنيون أنها من أجلهم، بينما هي من أجل مصالح نخب أجادت وتجيد تقديم نفسها كحارس أمين على اليمن والقيم الوطنية الجامعة.
 
يتطلع اليمنيون لنخب لا تتكسب من آلامه وأوجاعه ولا تتاجر بها، تقوده لنهضة حقيقة شاملة ترسي دائم الاستقرار والتقدم، لا نخب تزداد ثراء كلما زاد اليمنيون فقرا، وتحصد مغانما سلطوية كلما عجت اليمن بمزيد من القلاقل والفوضى والاضطرابات.