المتغيرات الإقليمية .. وتطورات الأزمة اليمنية ..!!

12:06 2023/04/08

في العديد من كتاباتي حول الأزمة اليمنية ، كنت دائماً أقوم بالربط الوثيق  بين التطورات والمتغيرات الإقليمية والدولية وبين هذه الأزمة ، وكنت ولازلت أؤكد بأن الأزمة والحرب في اليمن هي نتيجة خلافات بين دول إقليمية ودولية جعلت من اليمن ساحة لتصفية حساباتها وخوض حروبها بالوكالة فيها ، فالأزمة والحرب في اليمن لم تكن نتيجة خلافات داخلية ، فالأوضاع في اليمن كانت مستقرة ، ولم يكن هناك من مسببات حقيقية لحدوث هذه الأزمة وما رافقها من حروب وصراعات ، في ظل وجود نظام حكم ديمقراطي تعددي أتاح المجال أمام الجميع للمشاركة في السلطة من خلال تشكيل الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني ، وفي ظل المساحة الواسعة المتاحة أمام الجميع للتعبير عن أرائه وأفكاره ، فلم يكن هناك كبت أو مصادرة للحقوق والحريات تستدعي بروز وتطور الأزمة اليمنية للمستويات التي وصلت لها ، كما أن الأطراف الضالعة في الأزمة والحرب اليمنية لم تكن تمتلك المقومات المادية والعسكرية والتقنية التي تؤهلها لخوض معترك الخلاف والصراع بذلك الشكل ، لولا تدخل الفاعل الإقليمي والدولي ..!! 
 
ذلك الفاعل الذي نفخها وقدم لها كل ما تحتاج من صور الدعم المادي الكبير والخبرات العسكرية المتطورة والسلاح الذي منحها القدرة على ولوج الأزمة وخوض الحروب والصراعات القائمة ، وكم كنا نقول ونكرر بأن الحرب في اليمن هي حرب إقليمية بالوكالة ، والأطراف اليمنية الضالعة فيها ليست أكثر من أدوات قبلت على نفسها أن تعمل في خدمة هذا الفاعل الدولي أو ذاك ، وقبلت على نفسها أن تجعل من اليمن ساحة لحرب لا ناقة لشعبها فيها ولا جمل ، وقبلت على نفسها أن تكون معاول هدم لتدمير مفدرات وامكانيات وخيرات وانجازات ومكاسب الوطن ، وقبلت على نفسها أن تضحي بمئات الألاف من القتلى والجرحى والأسرى في سبيل العمالة والتبعية لهذا الفاعل الدولي أو ذاك ..!! 
 
وفي غمار تلك الأحداث كان الكثير من أبناء شعبنا يقرأون كتاباتنا ومواقفنا تلك ، ويمرون عليها مرور الكرام ، بل ويعتقد البعض بأن فيها مبالغة وقفز فوق الواقع وتجني على هذا الطرف أو ذاك ، ولكن اليوم ها هي الأحداث والوقائع على الساحة الوطنية والإقليمية والدولية تؤيد ما ذهبنا إليه ، وتؤكد بأن الأزمة والحرب في اليمن هي نتاج أزمة وخلاف بين فاعلين إقليميين ودوليين ، ولا يمكن أن أنسى تلك العبارة التي كنت أعيدها وأكررها في العديد من مقالاتي ، والتي مفادها بأن أي تطور أو تغيير إيجابي في الأزمة والحرب اليمنية يتوقف على التطورات والمتغيرات الإقليمية والدولية ، وها هي التطورات والمتغيرات الإقليمية تلقي بظلالها سريعا على الأزمة والحرب اليمنية ، فبعد التقارب الذي حدث بين الفاعلين الإقليميين السعودية وإيران برعاية صينية ، ها هي الأخبار تتوارد بأن الأطراف اليمنية الضالعة في الأزمة والحرب على وشك التوقيع على إتفاق سلام خلال الساعات أو الأيام القليلة القادمة ..!! 
 
ورغم التفاؤل الحذر تجاه تلك التطورات والمتغيرات إلا أن المحلل السياسي المطلع والمتابع للمشهد السياسي والعسكري الإقليمي والدولي ، يدرك جيدا بأن ما يحدث من تقارب بين القوى الإقليمية الفاعلة في منطقة الشرق الأوسط ( السعودية وإيران ) ، هو تقارب فرضته الظروف والأحداث والمتغيرات على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي ، وهو ما يؤكد بأن هذا التقارب ليس تقارب حقيقي بل تقارب ضرورة ، فرضته الظروف والأحداث ، وما ينعكس على الوضع الإقليمي ينعكس على المشهد السياسي اليمني ، فأي حديث عن السلام في اليمن هو حديث فرضته الظروف والاحداث والضغوط الخارجية ، هو سلام ضرورة سلام مؤقت ، وليس سلام حقيقي فرضته المصلحة الوطنية ، وهو ليس أكثر من ترحيل للأزمة والصراع في اليمن لمراحل زمنية قادمة ، هذا ان حدثت بالفعل تطورات إيجابية في اتجاه السلام ..!! 
 
والمواقف المتناقضة والمترددة والهزيلة للأطراف اليمنية الداخلية الفاعلة في الأزمة والحرب اليمنية ، هي النتيجة الطبيعية لارتهانها وتبعيتها للقوى الإقليمية والدولية وفقدانها لقرارها السياسي المستقل ، فعندما تفقد قرارك السياسي وتقبل بالتبعية للخارح ، فإنك تفقد ارادتك وتفقد قرارك وتفقد مواقفك ، وتصبح مجرد أجير ومرتزق ينفذ كل ما يملى عليه من الخارج ، وفي لحظة من الزمن تتلاشى شعاراتك وخطاباتك ومناهجك ، وتجد نفسك تسير مرغما في اتجاهات وطرق متناقضة ومتعارضة مع كل ذلك ، لتشعر بالغربة والعزلة عن مجتمعك وشعبك ، فالتبعية والولاء للخارج ثكلفتها باهضة وخسارتها فادحة ونتائجها سلبيه ، من أجل ذلك كان ولا يزال وسيظل الولاء الوطني مبدأ شريف ، ومع ذلك ورغم كل ذلك فإن قلوب اليمنيين تهفو للسلام وتحلم بالسلام وتتمنى السلام ، بأي شكلٍ كان وتحت أي ظرفٍ كان ، بعد أن انهكتهم سنوات الحرب الطوال ، التي دارت رحاها فوق رؤوسهم ، فهم من دفع ويدفع ثمنها وتكاليفها الباهضة من دمائهم وأموالهم ومستقبلهم ومعيشتهم وقوتهم ، فهم الطرف الداخل في الخسارة والخارج عن المكاسب ..!!