مهنة الكهانة الدينية .. قديماً وحديثاً ..!!

10:30 2023/04/04

كما يعرف الجميع بأن مهنة الكهانة الدينية قديمة قِدم الوجود الإنساني على هذا الكوكب ، والعاملين في هذا المجال  يسخرون وقتهم وجهدهم في خدمة الآلهة على اختلاف أنواعها كما هو ظاهر من تصرفاتهم ، وهم وحدهم من يقوم بالوساطة بين الآلهة والبشر ، وفي أوقات كثيرة قد يكونوا هم الممثلين عن الآلهة والناطقين بإسمها ، وكل ما للآلهة من حقوق وواجبات يجب أن تمر من خلالهم ، كما أنهم من يمتلك الحق في توزيع صكوك الغفران ومفاتيح الجنة نيابة عن الآلهة ، وهذه المهنة قد منحت المنشغلين فيها في كل العصور الحق في سلب جيوب الناس ونهب حقوقهم وأموالهم والتغرير عليهم وخداعهم واستغلالهم بإسم الآلهة ، كما أن هذه المهنة قد منحتهم السطوة والحق في التدخل في حياة وخصوصيات البشر ، والحق في اصدار الاحكام والقوانين والتشريعات وصولاً إلى الحق في سلب حياة البشر ومصادرة حقوقهم وحرياتهم وسفك دمائهم وإزهاق أرواحهم ..!! 
 
ولن أبالغ إذا قلت بأن هذه المهنة هي الأخطر بين جميع المهن ، وهي الأكثر تأثيراً وحضوراً في حياة البشر ، فالكهنة عبر التاريخ هم من صنعوا الكراهية والخلاف بين البشر ، وهم من فرقوا البشر على أسس دينية وطائفية ومذهبية ، وهم من استغلوا الجانب الروحي لإستلاب الفكر البشري وفق رؤى معينة وإفكار محددة ، وهم من استثمروا الآلهة لجني الكثير من الأموال والثروات ، وهم من منحوا أنفسهم الامتيازات التي جعلتهم فوق البشر وأفضل من البشر ، واحتكروا من خلالها العلم والمعرفة وهم وحدهم دون غيرهم من يمتلك الحق في وضع التشريعات وتفسيرها وتأويلها وفق أهوائهم ومصالحهم ، وأي علم ديني يجب أن يمر من خلالهم كون الآلهة قد اصطفتهم دون غيرهم للقيام بذلك ، وأي علم أو فكر لا يصدر منهم فهو باطل وفاسد ( الاحتكار الديني في أبشع صوره ) ..!! 
 
وللأسف الشديد رغم محاربة الأديان السماوية لهذه المهنة لما لها من سلبية وانتهازية واحتكار للدين ، ورغم دعوتها الصريحة والواضحة إلى أن العلاقة بين الله تعالى وعبادة علاقة مباشرة لا تحتاج لوسطاء ولا كهنة ( خصوصا الدين الإسلامي ) ، ورغم مطالبتها كل البشر إلى تفعيل عقولهم والتفكر في آيات الله الكونية وفي كتبه المقدسة التي أنزل على رسله عليهم السلام ، والتي تحتوي على الحقائق التي توضح للإنسان حقيقة الكون والحياة ، إلا أن مهنة الكهانة قد تمكنت من الاستمرار في مزاولة نشاطها في الأديان السماوية تحت مسميات مختلفة ، ليتحول المنشغلين في هذه المهنة إلى وسطاء بين الله تعالى وعباده ، ووكلاء عن الله تعالى في الأرض ، وصولاً إلى احتكارهم لكل ما له علاقة بالعلوم الدينية والروحية ، وأي علم ديني لا يكون صحيح إلا إذا مر عبرهم دون غيرهم ، إنها الكهانة الدينية وإن تغيرت صورها وتبدلت أشكالها ..!! 
 
ولن أبالغ إذا قلت بأن الكهنة والحكام عبر التاريخ هم المسئولين عن أكثر الحروب دموية بين البشر ، وهم المسئولين عن صناعة كل صور وأشكال العداوة والكراهية بين الشعوب والأمم ، ورجال الدين والحكام هم المسئولين عن صناعة المذهبية والطائفية والخلاف بين أتباع الأديان السماوية ، وصولا إلى صناعة الحروب والصراعات بين أتباع الدين الواحد ، ولن أبالغ إذا قلت بأن الكهنة ورجال الدين هم مهندسوا صناعة الكراهية والخلاف والعنف بين البشر ، في تناقض واضح مع دعوة الأديان السماوية الصريحة للأخوة الإنسانية وللتعايش السلمي بين البشر والحوار الإيجابي فيما بينهم وحرصها الشديد على حياة الإنسان ومحافظتها على حقوقه وحرياته ، ومحاربتها لكل الدعوات التي تصنع الكراهية والعداوة بين الانسان وأخيه الإنسان ..!! 
 
وللأسف الشديد رغم تعارض مهنة الكهانة لتشريعات وأحكام الدين الإسلامي ، إلا أن هذه المهنة لا تزال قائمة ومستمرة وإن تحت مسميات مختلفة ، ولا يزال هناك من يسعى إلى احتكار المعرفة الدينية في جنسية أو عنصرية معينة ، وامتلاكها الحق دون غيرها في هداية الناس وإرشادهم ، من خلال السعى إلى التنظير لفكرة الإصطفاء الإلهي القائم على التمييز العنصري ، ( قول اليهود بأنهم أبناء الله وأحباؤه إنموذجاً ) ، وهكذا في كل الإديان السماوية هناك من يسعى لتلميع وتحسين صورة الكهنة تحت مسميات وشعارات مختلفة ، لكن وظيفتهم لم تتغير سواء قديما أو حديثاً ، فالدعوة إلى التمييز العنصري وصناعة الكراهية والخلاف والعداوة والانقسام والتفرقة الدينية بين البشر هي من تجمعهم وهي من تكشف حقيقتهم في كل عصر وزمان ، وهي ما تفرق بينهم وبين الدعاة إلى الله تعالى الصادقين الذين يسخرون حياتهم لصناعة جسور المحبة بين البشر ، والتقارب بين البشر ، وصناعة السلام بين الإنسان وأخيه الإنسان ، وهم من يدعون إلى ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة وهم من يجادلون المخالفين لهم بالحسنى ، وهم من يسعون إلى إطفاء نار الحروب ، والدعوة إلى حل كل الخلافات عبر الحوار والعقل والمنطق بعيدا عن التعصبات ..!! 
 
فالدعاة إلى الله تعالى هم دعاة الخير والمحبة بين البشر ، والكهنة هم دعاة الشر والكراهية بين البشر في كل زمان ومكان ، وهذا ما يميز بين الفريقين ، كما أن الدعاة إلى الله تعالى الصادقين والمؤمنين حقاً لا يدََعون امتلاك الحقيقة ولا وجود لفكرة الاصطفاء الإلهي والتمييز العنصري في أدبياتهم ومناهجهم ، فهم مجرد عبيد لله تعالى كل همهم هو رضا الله تعالى عنهم ، ونشر قيم الخير والتسامح والمحبة بين البشر ، والدعوة إلى الله تعالى بالحسنى والحوار والحكمة والموعظة الحسنة ، استجابه.لقوله تعالى (( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة )) ، ( والنموذج الواقعي لذلك يتجسد في دخول الملايين من شعوب شرق آسيا الإسلام بدون حروب ولا سفك دماء ) ..!!