السلام في اليمن بين العجز والتحفظ
كانت النتيجة الأهم في ختام مشاورات الرياض في السابع من أبريل (نيسان) 2022 أن توارى الرئيس عبدربه منصور هادي عن صدارة المشهد وقبِل استبداله بكيان واحد (مجلس القيادة الرئاسي) لإدارة شؤون البلاد والاستعداد للدخول في مرحلة جديدة حدد البيان معالمها.
وكان الأمل أن يسهم ذلك في تركيز الجهود على استقرار الأوضاع الأمنية والمعيشية والخدمية في المحافظات "المحررة" والتهيئة لمشاورات السلام.
وعلى رغم ظهور تحفظات وتحذيرات على تركيبة "المجلس" إلا أن المتفائلين طالبوا بإعطائه فسحة زمنية معقولة لاختبار مدى قدرته على مواجهة الواقع الآسن وتحريك المشهد السياسي والعمل على تماسك الجبهة الداخلية المواجهة لجماعة "أنصار الله" الحوثية.
ومع مرور الوقت لم يشعر الناس بأي تغير إيجابي في مستوى الخدمات والحياة اليومية وتواصل ارتفاع الأسعار، والأكثر سوءاً أن الإحباط تصاعد وبدأ التململ وانتشرت الأخبار حول الخلافات داخل "المجلس"، مما يجعل من الصعب إنجاز أي من المهمات التي حددها إعلان السابع من أبريل.
وكان منتظراً وبمقدور "المجلس"، اتخاذ خطوات عاجلة لإدخال إصلاحات ضرورية وجذرية في عدد من القطاعات كي يظهر جديته، لكن سرعان ما ظهرت على السطح التناقضات المعروفة، وصارت ظاهرة الاجتماعات عبر الـ"زووم" هي الحل الأمثل.
إذ عجز الأعضاء منذ أشهر عن التواجد في مكان واحد، كما تسبب إهمال إقرار نظام داخلي لضبط نشاطه ومهماته في غياب الشفافية لتفسير كل ما يصدر عنه ولم يتمكن من إقناع المواطنين بالقرارات والتعيينات.
صحيح أن الحكم الجماعي ليس بالأمر اليسير بخاصة في ظل تجاهل العمل بالدستور، وعدم وجود قواعد حكم واضحة لإدارة الخلافات داخل "المجلس" مع التأكيد على أن المشكلة الحقيقية ليست في الهيكل فقط، وإنما في عدم وجود شخصية قوية متميزة داخل "المجلس"، وهذه العوامل أظهرت العجز ودفعت "المجلس" إلى العمل دون منهج دقيق يضبط إيقاعه ويحدد نشاطه والتنسيق بين أعضائه، وهو أمر ينبئ بصعوبة التوافق بين الأعضاء على الأهداف النهائية التي أوضحها الإعلان.
الواقع المعيشي والخدمي ليس أفضل في صنعاء حيث تواصل جماعة "أنصار الله" الحوثية تقييد الحريات العامة والخاصة وتمارس أقصى مستويات القسوة ضد مخالفيها ومنتقديها، ولا تمارس أياً من مهمات الدولة المسؤولة عن المواطنين الذين يسكنون الرقعة الجغرافية التي تسيطر عليها.
وقد تحول الجهاز الحكومي إلى مؤسسة للجبايات غير القانونية وفرض الرسوم الباهظة على كل الخدمات.
وكان غريباً ومستهجناً انشغال السلطات في صنعاء وسط أجواء الحرب، بألوان العبايات ومقاساتها وانتهاك حقوق النساء متجاهلة الواجبات الأساسية والأخلاقية لأي منظومة حكم في أي مكان.
ومن العجيب أن المبرر الذي ترفعه السلطات في صنعاء للتخلي عن مسؤولياتها في المناطق التي تسيطر عليها، هو أن الحرب تستنزف كل الموارد التي تحصلها سواء من بيع المشتقات النفطية أو الضرائب والرسوم التي فاقت ما كان يدفعه الناس في العقود الماضية.
ومع أن هذا المبرر يسقط باعتبار أن الهدنة التي بدأت في الثاني من أبريل 2022 ما زالت صامدة بإرادتها وحدها، وهي الجهة الوحيدة التي تستطيع أن تثبتها أو أن تنقضها، وهنا يجب تأكيد ما يعلمه الجميع بأن الحرب أو اللاسلم واللاحرب ستظل سيفاً مسلطاً على رقاب الناس تستفيد منه "الجماعة" في صنعاء والمنتفعين من استمرارها في "الشرعية".
ولم يعد خافياً أن استمرار الحرب تعود فائدته الكبرى على الذين تتكاثر ثرواتهم في صنعاء من التهريب والتحكم في أسعار المشتقات النفطية، وفي المقابل هناك طبقة فاسدة تعمل في المناطق "المحررة" ويضاف إليها من يعيشون في الخارج ويتسلمون مرتباتهم بالدولار منذ عام 2015.
ووضع كهذا لا بد أنه مريح لهم جميعاً في مقابل معاناة الناس في الداخل وفقرهم ومرضهم.
يستطيع "المجلس" أن يكتسب شيئاً ولو بسيطاً من المشروعية الأخلاقية والوطنية باتخاذ قرارات يكون هو في مقدمة من يطبقونها.
فالمجلس يعلن في كل بياناته وتصريحاته منذ أداء اليمين الدستورية في عدن أن الشفافية والصراحة ستكونان عنوان المرحلة، وهكذا يتوجب عليه الإفصاح عن المزايا المالية التي منحها لنفسه وفرق عمله ونفقاتهم، وليس في ذلك أمر يمس الأمن القومي بأي حال.
كما يمكنه الوفاء بما وعد به الناس من تقليص لأعداد الدبلوماسيين المبتعثين وإغلاق السفارات في عدد من العواصم والالتزام الصارم في التعيينات بالقوانين التي لا تعطي المجلس الحق في اختيار أكثر من 10 في المئة من السفراء.
وهكذا يتوجب أن يصدر قراراً فورياً بمنع تسليم أي راتب بالدولار، وأن على جميع موظفي الدولة العودة إلى الداخل وفي مقدمتهم أعضاء مجلس النواب الذين نسي الناخبون وجودهم على قيد الحياة، وأن تصرف مرتباتهم بالعملة المحلية أسوة ببقية الموظفين.
إن مظاهر العبث المالي التي ترهق العملة المحلية يجب أن تتوقف فوراً ومعها منع السفريات التي لا مردود منها سوى التقاط الصور والترفيه ولا تعود على البلد بالنفع.
كما أن استمرار عدم وفاء المجلس بتعهداته وفشله في تحقيق أي إنجاز وطني هو غاية ما يتمناه الحوثيون الذين يكتفون بالمتابعة دونما حاجة إلى استنفار قواتهم.
والإنجاز الذي أتحدث عنه ليس في المجال الخدمي، لأن تحقيقه لا يمكن النظر إليه من المعجزات، ويمكن لأي مؤسسة القيام به وتنفيذه واستثماره، إنما الإنجاز الحقيقي هو في ضرب المثال في النزاهة والشعور بالمسؤولية الأخلاقية والوطنية والالتزام بالقوانين واللوائح.
وإذا كانت "الجماعة" في صنعاء تمتلك أغلب عناصر إمكانية العودة إلى الحرب أو الانخراط في السلام فإن "الشرعية" ليس معها سوى ما يهبه الإقليم والمجتمع الدولي لها، ومن اليقين أن من يحكمون في صنعاء عليهم يقع عبء إطلاق التطمينات الجادة لخصومهم في الداخل أولاً، وهي خطوة لربما تعيد جزءاً من الثقة المفقودة بينها وبين اليمنيين وكما عليها في سبيل ذلك تخفيف قبضة البطش الأمني الذي صار عنواناً لسلطتها، وكذلك وقف تطبيق القيود التعسفية التي تفرضها على النساء في أماكن العمل وتحركاتهن داخل البلاد وخارجها.
نقلا عن اندبندنت عربية