حكاية مواطن مع موظف حكومي يمني

09:42 2023/01/24

تكاد تكون ثقافة متأصلة وظاهرة مستفحلة، تلك البيروقراطية الإدارية والعلاقة غير السوية التي تحكم العلاقة بين المواطن اليمني والموظف اليمني في المرافق الحكومية التي ما إن تدلف لها مصطحبا أوراقك المتعلقة بموضوعك الذي تريد حله، لكنك تتفاجأ بأنك بالنسبة للموظف اليمني مشكلة يجب التخلص منها أو تعقيدها، واضعا كل العراقيل أمام حلها.
 
يشعرك الموظف بأنك مدان وأن مجرد نقاشك معه يعد جريمة، واستفسارك خيانة، وترددك عليه قلة ذوق تستحق عليه أن يرفع صوته أو بكفهر وجهه أو بزمجر ويرعد، منتفضا من فوق كرسيه الوثير ، مشيرا لك بالانصراف وعدم تعكير مزاجه وتفسير إصابته بالقولون والسكري والمعدة حاضر على وجه السرعة، فيما لو اشتكيت به لمسؤوله المباشر الذي سرعان ما يوجه بالتحقيق معه، لكن أصحاب القلوب الرحيمة من زملائه أو بعض مسؤوليه سرعان ما يسارعون لتهدئة الموقف وإقناع المواطن بأن ما يراه ويشاهده من تصرفات لا مسؤولة وعنجهية تجاهه مبررة نتيجة تعكير مزاج الموظف المبجل الناجم من ضغط العمل.
 
عليك إذن أن تسأل الموظف اليمني في المؤسسة الحكومية عن حالته المزاجية أولا، وعن نفسيته قبل أن تقدم له أوراق معاملتك ، وعليك أن تتحمل تباطؤه في إنجازها ، ونظراته المتعالية عليك وإشاحة وجهه عنك، ولو سألته باحترام ملحا عليه بأدب أن يتكرم، وينظر للأوراق التي في يديك، والتي تناوله إياها من شباك النافذة، بينما هو على أريكة جالسا يحملق في المواطنين المتجمعين على الشباك. وقتئذ فتحت على نفسك باب غضبه وعصبيته. وإن هدأت نفسه، قلب أوراقك وبحث عن أي سبب أو عذر ينسف معاملتك من أساسه ، متعللا مثلا بركاكة الخط، طالبا منك سلسلة طويلة من المطالب التي تخفي وراءها عرقلة معاملتك أو تأديبك، كونك تجاوزت حدودك في الخروج عن صمتك والتحدث معه. عليك أن تظل صامتا لا تنبس ببنت شفة، حتى ولو انصرف دون أن ينجز معاملتك، ما عليك إلا أن تتوضأ وتصلي لله سبحانه وتعالى أن يهديه في اليوم التالي؛ ليمهر أوراقك بتوقيعه المبجل ؛  لتنتقل إلى مكان آخر حاملا أوراقك، وتبدأ حكاية جديدة مع موظف آخر . 
 
بالنسبة لمدير الموظفين، الوصول إليه يحتاج لمعجزة. وإن وصلت له فأنت محظوظ إن استلم أوراقك دون اعتراض من مرافقيه أو سكرتيره، ومحظوظ جدا إن قرأ أوراقك ووجهها للجهات المختصة، في أغلب الأحوال يكون وجهه عابسا كبروتوكول رسمي تقتضيه اللوحة التي أمامه المنحوت سيادة اسمه عليها أو هالة التبجيل التي تحيط به من الحراس ومن يتحكم بالدخول لمكتبه أو الخروج. عندما تخرج من مكتبه ينظر إليك المواطنون المنتظرون خارج مكتب المدير نظرة تنم عن اندهاش كبير، وكأنهم يقولون لك: ما هي العصا السحرية التي ساعدتك على مقابلة المدير؟! بينما هم مازالوا يبحثون عن ممرات الدخول الموصدة أمامهم، فعيون المدير وأعوانه وحراسه يقفون بالمرصاد لكل من تسول له نفسه التجرؤ والذهاب لسيادة المدير لعرض مشكلته. فوقت المدير ثمين، ولديه جدول أعمال لا يسمح لمقابلة المواطنين، مع وجود استثناءات لمراجعي المؤسسة من العيار الثقيل. فإنزال الناس منازلهم تقليد وظيفي يمني يكاد يكون سمة غالبة لدى معظم الموظفين ومدراء المرافق الحكومية.
 
استخراج وثيقة أو تعديلها أو اعتمادها في نظر بعض الموظفين اليمنيين ومسؤوليهم مسألة عويصة ومشكلة معقدة وخطب جلل، وكارثة عظمى يرتكبها المواطن، تستدعي أن تدخل دهاليز طويلة وملتوية من التوقيعات وتقليب الأوراق وفحصها من اليمين للشمال والعكس، ومن فوق إلى تحت والعكس. وعندما تتجاوز الموظف الأول إن حالفك الحظ تحمل أوراقك للموظف الثاني لتدشن الدخول في دهاليز آخرى من الذهاب والإياب والرأي والرأي المضاد. وفي أفضل الأحوال تتلقى نصيحة منه بأن تذهب لزميله الموظف القابع في جواره والذي ما إن تقدم إليه ويرى أوراقك ينظر لك على عجالة قائلا: موضوعك ليس عندي هو عند فلان، لتأخذك الدهشة بأن فلانا هو من أحال معاملتك لزميله، وتظل تؤدي طواف المعاملة سبعة أشواط ذهابا وإيابا تتبدئ بالموظف القريب من باب المكتب وتنتهي بالقابع في زاوية المكتب.
 
معاناة طويلة مريرة يعانيها المواطن اليمني في المؤسسات  الحكومية التي وجدت لخدمته وتذليل كل الصعوبات أمامه وتسيير الشؤون العامة لما فيه مصلحة المواطن، لكن الغالب على المؤسسات العامة أن نسبة من موظفيها ومديريها باتوا عبئا ثقيلا على المواطن، لا هم لهم إلا تنغيصه وتكدير صفو عيشته ووضع العراقيل أمامه، بل محاسبته وكأنه مجرم يستحق العقاب، لا مواطن يحتاج الرعاية والاهتمام.