من المسؤول عن تغيير طموح ابن أخي من طبيب إلى لاعب؟!

09:10 2023/01/11

سؤال شغلني كثيرا: من يتحمل مسؤولية تغيير عقل ابن شقيقي ذي الثمان سنوات من رغبته وإصراره على أن يكون طبيبا في المستقبل يعالج علل جدته وجده المسنين إلى أن يكون لاعب كرة قدم؟
 
أول أمس، وكالعادة رحبت بهذا الصغير الذكي بعد عودته من سفرة قصيرة: أهلا بالدكتور الطبيب في المستقبل والذي سيعالج أجداده وأهل مدينته ىو قرية آبائه! فاعترض بقوة: لا يا عمو لا تقل طبيب رجاء، بل قل اللاعب سيف! 
 
صحيح في الماضي كان مشاهير الكرة يستقطبون اهتمام الشباب والكبار بقدر معقول، جرعة غير ضارة من الإعجاب بالموهبة والفن في اللعب، أما الآن فبسبب كمية الميديا التي تضخ في سماء مفتوحة ونوافذ افتراضية لا تعد ولا تحصى بات تغيير الأفكار والقيم والطموحات سهلا إلى حد أنه يمكن القول أن تصبح مدمنا على متابعة لاعب أو ما بات يدعى بظاهرة المؤثرين، وأن أغلبهم يمكن أن نسميهم "المدمرون" أمرا معتادا لدى أجيال من شباب المستقبل وبناة الأوطان. 
 
سالت أستاذا في علم النفس عن هذه التحولات الكبرى في أن لاعب الكرة الذي مجده وعمره الإبداعي القصير أصلا يتركز في ساقه والتي لو كسرت لا سامح الله لانكسر مجده وغابت شهرته وانطفأ بريقه،  بينما الطبيب الذي يمضي سبع سنوات عجاف مضنيات في الدراسة والسهر والتدريب وقبلها الفوز بالمعدل الماسي، والذي يؤهله  القبول في إحدى كليات القمة أصبحت وظيفة لا قيمة لها في عقول وقلوب النشء الجديد. 
 
أجابني أنه طغيان القيم المادية في المجتمعات المعولمة بحيث أن وسائل التواصل والإعلام الذي يخصص لميسي أو رونالدو أو بابو أو محمد صلاح أو الخ مساحات كبرى من الاهتمام والمتابعة ويتابع حجم ثرواتهم خلال بضع سنوات بمئات الملايين من الدولارات ويتنقلون بطائرات خاصة ويسكنون القصور وسط حراس منتبهين وسيارات مصفحة...
 
ماذا ينتظر من مهنة طبيب يتوظف بألف دولار في أحسن الأحوال ويخضع للعمل في الأرياف وينتقل بوسائل النقل العام وبستطيع مدير شؤون الأفراد خريج الدراسة المتوسطة معاقبته بالتوبيخ أو حتى النقل إلى منطقة نائية، أو ينتظر من مهندس كهرباء أو معماري يتعين إذا كان من ذوي الجاه العائلي بأربعمئة دولار وبخلافه سينضم إلى قائمة العاطلين أو التسمية المهذبة الباحثين عن عمل! أو أن يبرز كاتبا أو شاعرا أو يشتعل عقله علما ليكون عالم ذرة أو أو رائد فضاء. 
 
لا بد من طرح السؤال بصيغة أفضل: هل ىن مجتمعاتنا استغنت عن مهنة الطبيب الذي داوى ليلى العراقية قديما ومجدي يعقوب طبيب القلب الشهير؟ وهل يستغني مجتمعنا عن المهندسة زها حديد وعن فاروق الباز عالم الفضاء العربي في وكالة ناسا، وعن العالم المغربي والطبيب الذي أدهش أمريكا ومواطنه الآخر الذي اخترع بطارية الليثيوم؟ 
 
أين احتجب نجوم الشعر والفن والإبداع والرواية في بلداننا العربية الذين كنا نتغنى بأشعارهم أو نتناقش في رواياتهم ووووو الخ؟ 
 
نحن أمام ظاهرة تقزيم جواهر الإبداع في المجتمعات واللهاث وراء قشور المشاهير الخادعة والتي سرعان ما تعطب وتتلاشى وتندثر.
 
أنا متابع لكرة القدم بشغف، ولكن الفكرة هي التوازن في القيم الاجتماعية هو المقصود. 
 
 
*كاتب وأكاديمي من العراق