مراجعة الأحاديث النبوية والفكر الديني البشري... ضرورة شرعية وعقلية...!!

09:14 2022/11/08

كثيراً...

ما تطرق العديد من المفكرين الإسلاميين، في الكثير من كتاباتهم وأبحاثهم، إلى ضرورة مراجعة الأحاديث المنسوبة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وضرورة مراجعة الفكر الديني الذي هو عبارة عن اجتهادات وآراء العلماء المسلمين منذ ظهور الإسلام وحتى اليوم، المراجعة الدقيقة، والموضوعية والعقلانية، بعيداً عن التعصبات المذهبية والطائفية، لأن هذه التعصبات كان لها دور كبير، في انحراف الفكر الديني الإسلامي، عن مساره الصحيح، ومطالبة علماء ومفكري الأمة، بضرورة مراجعة الأحاديث المنسوبة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، لم تأت من فراغ، بل إنها نتيجة إحساس منهم بالمسئولية تجاه دينهم، وتجاه سُنة نبيهم، لأن هذه السنة المطهرة، تعرضت للاختراق والإضافة والتزوير، من ضعاف النفوس والزنادقة، ومن المتعصبين، وذلك نظراً لأنه لم يتم حفظ الأحاديث والعناية بها، كما تم حفظ كتاب الله تعالى والعناية به...!!

فالرسول عليه الصلاة والسلام، نهى أصحابه عن تدوين أحاديثه، حرصاً منه على تركيز جهودهم في حفظ كتاب الله تعالى، وحتى لا يحدث خلط بين آيات القرآن والأحاديث النبوية، وقد كان للرسول عليه الصلاة والسلام ما أراد، حيث ركز الصحابة والتابعون كل جهودهم في حفظ القرآن والعناية به، وهو ما جعل من القرآن الكريم، الكتاب المقدس الوحيد المحفوظ كما نزل من السماء، لأنه لم يتعرض لأي تحريفات أو إضافات. ونتيجة لتركيز الصحابة على حفظ القرآن الكريم والعناية به، واستجابةً منهم لتوجيهات الرسول عليه الصلاة والسلام، بعدم تدوين الأحاديث، لم يدونوها ويحفظوها طوال قرن من الزمان، وترتب على ذلك، قيام الزنادقة، وضعاف النفوس، وأصحاب الأهواء، بالتزوير والكذب على الرسول عليه الصلاة والسلام، مستغلين عدم تدوين الأحاديث، خلال تلك الفترة الزمنية الطويلة، وترتب على ذلك وجود مئات الآلاف من الأحاديث، المنسوبة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان العدد في تصاعد مستمر مع مرور الوقت...!!

وهو ما دفع بالخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، إلى الأمر بضرورة تدوين الأحاديث النبوية، وبالفعل توجه العديد من الفقهاء والباحثين، إلى الاهتمام بهذا المجال، ولكنهم تفاجئوا بوجود أعداد خيالية من الأحاديث المنسوبة إلى رسولنا عليه الصلاة والسلام، وهذا الأمر تطلب منهم، وضع علما جديدا هو علم (مصطلح الحديث)، الهدف منه غربلة الأحاديث النبوية، وتصنيفها إلى أحاديث صحيحة، وحسنة، وضعيفة ومكذوبة. وقد ترتب على ذلك الجهد، تقليص أعداد الأحاديث المنسوبة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، من مئات الألآف إلى بضعة الأف، كما أن هذه الخطوة قد ساهمت في توقف ظهور الأحاديث المنسوبة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، لأنه تم تدوين الأحاديث في كتب، مثل (صحيح البخاري)، (صحيح مسلم)، (سنن بن داوود)، (سنن ابن ماجه)، (سنن النسائي) (سنن الترمذي) وغيرها، وهذه الكتب جمع فيها الأحاديث المنسوبة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، بعد غربلتها ومراجعتها، وقد بذل أصحاب هذه الكتب مجهوداً كبيرا جداً في هذا المجال...!!

وكما ذكرت سابقاً فإن هذه الخطوة، كان لها دور كبير جداً، في إيقاف الزنادقة وضعاف النفوس وأصحاب الأهواء، عن إضافة المزيد من الأحاديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام، بغض النظر عن مدى صحة الأحاديث التي احتوتها تلك الكتب، فالفترة الزمنية الطويلة، منذ قول تلك الأحاديث، وحتى كتابتها وتدوينها، تضع الكثير من علامات الاستفهام حولها. لأننا نشاهد على أرض الواقع، كيف يتم التلاعب بالألفاظ والأقوال والأحداث، أمام أعيننا، فإذا شخص قال كلاماً، أو حدث شيء في مكان ما، مثلاً في مدينة ما، فإن كلام ذلك الشخص، يصل إلى الطرف الآخر من المدينة، في نفس الزمان والمكان، وقد طرأ عليه العديد من الإضافات، والتحسينات، والمغالطات، بحسب رغبة ناقل الخبر، وكذلك الحال بالنسبة للأحداث، فما بالنا وقد تم تدوين الأحاديث والأفعال المنسوبة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، بعد أكثر من مائة عام من وفاته...!!!

ويظل القرآن الكريم كتاب الله المقدس، المحفوظ من التحريف والتزوير، هو المرجع وهو المقياس الحقيقي، الذي يمكن من خلاله معرفة صحة أو بطلان، أي حديث أو فعل منسوب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فما تطابق مع كتاب الله تعالى وتشريعاته، وأحكامه، ومقاصده، وأهدافه، كان صحيحاً، ووجب العمل به، وما خالف كتاب الله تعالى، كان باطلاً، ويجب رفضه وعدم العمل به. وبما أن آراء واجتهادات علماء وفقهاء المسلمين، خلال الفترات الزمنية السابقة، وحتى اليوم، يستند الكثير منها إلى الأحاديث المنسوبة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، دون مراعاة لمطابقة تلك الأحاديث للقرآن، أو مخالفتها له، فقد ترتب على ذلك بروز العديد من الأفكار الدينية المتعصبة والمتطرفة والمتشددة، المخالفة لتشريعات وأحكام القرآن الكريم، وهذا يتطلب إخضاع تلك الاجتهادات والآراء للمراجعة أيضاً...!!

وإلى اليوم لا يزال الكثير من المتعصبين، يرون في بعض الأحاديث المنسوبة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، بأنها جزء من الدين، حتى وإن تعارضت مع القرآن الكريم، ويرون في الاجتهادات والآراء البشرية لأئمة المذاهب، بأنها أيضاً جزء من الدين، حتى وإن تعارضت مع غايات وأهداف القرآن الكريم، ويرفضون حتى النقاش حولها، لأنه قد دخلت في خانة التقديس بالنسبة لهم، وهذا ما فتح الباب واسعاً، أمام أصحاب الأفكار المتطرفة والمتشددة، لنشر أفكارهم تلك في أوساط المجتمعات الإسلامية، وهو ما ترتب عليه ظهور الجماعات الإسلامية، ذات التوجهات المتشددة والمتطرفة...!!

والجديد في هذا الموضوع هو دعوة النظام السعودي مؤخراً، لمراجعة الأحاديث النبوية الشريفة، وتوضح المتعارض منها مع كتاب الله تعالى ومع العقل ومع العلوم الحديثة، وهذه خطوة جيدة وجريئة في هذا المجال ، ونجاح مثل هذه الخطوة يتوقف على عدم تدخل أنظمة الحكم في عملية المراجعة والتدقيق ، وعلى إنشاء مجمع بحثي على مستوى العالم الإسلامي ، يتمتع بكامل الاستقلالية والحرية والدعم ، ولا يخضع لأي وصاية أو ضغوط من أي جهة كانت ، ويقوده كوكبة من العلماء والمفكرين الإسلاميين ، المتحررين من كل القيود المذهبية والطائفية ، والمتحررين من كل التعصبات ، والولاءات الضيقة ، ويقوم هذا المركز بدعم كل الأبحاث والدراسات التي تصب في هذا المجال ، وأنا على ثقة بأن نجاح هذه المراجعات سيكون له دور كبير في تضييق الخناق على الدعوات والأفكار المتطرفة والمتشددة المتعارضة مع سماحة ووسطية وخيرية المنهج الإسلامي ، وفي إبراز وإظهار المبادئ الإنسانية والحضارية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية ..!!