الأنظمة السياسية... وغطرسة القوة (النظام الإيراني أنموذجا)...!!

11:26 2022/10/31

بصراحة...
وأنا أبحث في تاريخ الأنظمة السياسية، وصلت إلى أن هذه الأنظمة وعبر تاريخها الطويل، دائماً ما تقوم بتكرار الأخطاء السابقة، وبنفس الأدوات وبنفس الأساليب، وفي مقدمتها أساليب القمع والاستبداد والاعتقالات ومصادرة الحقوق والحريات، لمعالجة إخفاقاتها وفشلها، ولمواجهة الجماهير الغاضبة منها والمعارضة لها، رغم أن التاريخ السياسي، قد أثبت فشل مثل هذه المعالجات، وأثبت بأن هكذا أساليب تزيد من حالة الاحتقان الشعبي، وتزيد من حالة الرفض الجماهيري، وتصنع المزيد من المعارضين والمناهضين والناقمين والثائرين. ورغم أن التاريخ السياسي، قد أثبت بأن هكذا معالجات قد توقف الحراك الجماهيري الثائر بعضاً من الوقت، لكنها لا تحل المشاكل العالقة، ولا تستأصل مكامن الخلل والفشل بل تضاعف من آثارها، وتزيد الطين بلها، ورغم أن التاريخ السياسي قد أثبت بأن العنف لا يولد إلا عنف، وأن الاعتقالات والقمع والبطش، لا تولد إلا المزيد من الاحتقان الثوري، والمزيد من الكراهية والعداوة، لأن كل فعل سياسي سلبي له رد فعل جماهيري سلبي...!!
لكن للأسف الشديد...
رغم كل تلك الدروس والعظات والعبر، التي من المفترض أن تتم الاستفادة منها بالشكل العلمي والمنطقي الصحيح، إلا أن القائمين على السلطة في كل زمان ومكان، لا يترددون أبداً من تكرار تلك الأخطاء، وفي ممارسة المزيد من القمع والاستبداد، ضد أي حراك جماهيري مناهض لهم. وهذا يوصلنا إلى حقيقة مهمة جداً، وتتمثل في أن غرور السلطة، وما يرافقها من الشعور بغطرسة القوة، هي السبب الذي يدفع بالقائمين على الأنظمة السياسية إلى عدم الاستفادة من الدروس والعظات والعبر السابقة الموجودة في كتب التاريخ السياسي، وهي السبب الذي يزين لهم اللجوء إلى استخدام أساليب القمع والعنف والتسلط لمواجهة السخط الشعبي. والقليل من القائمين على السلطة، هم الذين ينتهجون أساليب المرونة والإيجابية في التعاطي مع هكذا مواقف، بعيداً عن أساليب القمع والتسلط والسلبية، وبعيداً عن الأهواء والمزاجات والانفعالات والعواطف والغرور والغطرسة، وهم الذين يدرسون بكل موضوعية الأسباب الحقيقية لتلك المشاكل، بهدف وضع الحلول السليمة والكفيلة بمعالجتها من جذورها...!!
طبعاً...
هكذا أساليب إيجابية وعقلانية، لا يقوم بممارستها إلا القليل من الحكام، الذين يتمتعون بالحكمة والعقلانية، الذين قرءوا التاريخ السياسي، وأخذوا منه الدروس والعظات والعبر، وأدركوا بأن أساليب معالجة المشاكل وإيجاد الحلول المناسبة لها، أفضل بكثير جداً من أساليب القمع والاستبداد. وما يحدث اليوم في إيران، من حراك جماهيري ثوري ساخط ضد السلطة الحاكمة، وما تقوم به هذه السلطة، من ممارسة أساليب القمع والاستبداد والعنف، يؤكد بأن القائمين على هذه السلطة مثلهم مثل غيرهم، ممن سبقوهم من الحكام، الذين أغرتهم غطرسة السلطة، لتحرمهم من الاستفادة من الدروس والعظات والعبر، الحافل بها التاريخ السياسي، وليقعوا في أخطاء من سبقوهم، وليواجهوا الحراك الجماهيري ومطالبه الحقوقية، بالقمع والاستبداد والاعتقالات، موهومين بغطرسة القوة والسلطة، وبما يزينه لهم شياطين الإنس، بأن استخدام أساليب القمع والقوة والترهيب لمواجهة الاحتجاجات الشعبية، هي أفضل وسيلة، قد يكون بعض هؤلاء الناصحين، يقدمون هكذا نصائح من باب الحرص، وهذا النوع يسمى الناصح الجاهل والمتعصب، بينما يكون البعض الآخر من الناصحين يقدمون نصائحهم السلبية من باب المكيدة، ويسمى هذا النوع بالناصح الماكر والمخادع، الذي يسعى إلى الدفع بالنظام السياسي إلى ممارسة المزيد من العنف والقمع، لتوريطه وتشويه صورته وإغراقه في مستنقع الدماء، ليكون السقوط هو النهاية الحتمية له كذا سياسات وأساليب قمعية واستبدادية...!!
ويبدو أن مشكلة النظام الإيراني الخميني، أكثر تعقيداً من غيرها، فهذا النظام ذو فكر ثوري ودموي، كما أنه استولى على السلطة بالقوة والعنف وعلى نهر من الدماء، كما أن قادته وعناصره قد تميت تنشئتهم على فكر سياسي كهنوتي، يجعلهم يرون أن السلطة حق إلهي لهم دون غيرهم، لذلك لن تنفع معهم لا دروس، ولا عظات، ولا عبر، ولا نصحو، ولا نصيحة، فهم يعتقدون بأن ممارسة أساليب القمع والعنف ضد الحراك الثوري الجماهيري، هو دفاع عن حقهم الإلهي في الحكم، وهنا تكمن مأساة الشعب الإيراني، ومن هنا تضيع الحكمة والعقلانية والمنطقية، ويحل محلها العنف والقوة والبطش، لأن القائمين على السلطة في إيران يعتبرون كل من يعارضهم أو ينتقد سياساتهم أو يطالب بحقوقه منهم، بأنه عدو أو عميل أو مرتزق أو خائن، ليصبح غالبية أبناء الشعب الإيراني من وجهة نظرهم عملاء وخونة وأعداء...!!
ومن هذا المنطلق تتدخل شياطين الجن والإنس، لتزين لهم أساليب القمع والعنف والبطش والتنكيل، كوسيلة هي الأفضل للدفاع عن ذلك الحق، بل إن بعضهم يذهب به تعصبه واعتقاداته بحقه الإلهي في الحكم، إلى تبرير العنف والقمع والإرهاب، وأنه جهاد مقدس، وهذا النوع من البشر من الصعب جداً، فتح حوار جاد معهم، ومن المستبعد الوصول معهم إلى حلول، ومن المستبعد أن يقدموا أي تنازلات في سبيل حلحلة مشاكل الشعب الإيراني المتزايدة والمتشابكة، لأنهم يظنون أنهم وحدهم على الحق، وما دونهم على باطل، فكيف يتنازل أصحاب الحق لأصحاب الباطل، وعند هذه النقطة تنعدم كل صور الحكمة والعقل والمنطق، ويحل محلها منطق التعصب والعنف والبطش، وهذا هو الحال القائم اليوم في إيران، وهو ما ينذر بتصاعد الوضع واندفاع النظام الإيراني الخميني لارتكاب المجازر الوحشية والدموية ضد الثوار من أبناء الشعب الإيراني المطالبين بحقوقهم وحرياتهم...!!