الهدنة الصامتة... والشعب الخاضع...!!

10:09 2022/10/30

من يتابع مجريات وتطورات الأحداث في المشهد السياسي اليمني، سوف يلاحظ ظاهرة غريبة ونادرة وغير مسبوقة، وتتمثل هذه الظاهرة في كيفية تعامل السلطات الحاكمة في مختلف مناطق اليمن مع أبناء الشعب الواقعين تحت سلطتها، تعامل ينم عن نظرة استخفاف واستهتار ولا مبالاة واستغفال، وكأنها تتعامل مع أطفال لا زالوا في فترة الحضانة، أو مع أناس يعانون من إعاقات ذهنية وعقلية، أو مع أفراد يعانون من بلادة وغباء مستفحل، تعامل قائم على التسويف والمماطلة والكذب والضحك على الذقون، تعامل قائم على الاستجهال والاستغباء وعدم الاهتمام، فكل تصريحاتها وسياساتها ومواقفها ليست أكثر من مزايدات وشطحات وعنتريات وتضليل وتزييف للوقائع والحقائق، حتى مفاوضاتها بشأن الحرب والهدنة والسلام لا يتم إطلاع الشعب بما يجري في الغرف المغلقة، وكأنهم يتفاوضون بشأن ومصير شعب آخر، تصريحاتهم مجرد رموز وإيحاءات وكلمات متقاطعة، ومزايدات ومغالطات وتلاعب بمشاعر ومعاناة ومآسي المواطنين، نفس الكلام نفس الأسطوانة المشروخة في كل مرة وعند كل محطة، (استمرار المفاوضات، تقدمات، نجاحات، إنجازات، بوادر مشجعة، ملف المرتبات، ملف المعاناة إنسانية، ملف الأسرى والمعتقلين... إلخ)...!!
 
وعلى أرض الواقع لا جديد لا تغيير، فقط مزيداً من السلبية والمعاناة والإحباط واليأس، وفقط مجرد تخدير وصرف أمان زائفة ووعود كاذبة لشعب يعاني المزيد من الإنهاك والانهيار والإفقار والتجويع والتجهيل والاستبداد والقمع والاستعباد، ما يجعلنا نقف أمام حالة تتمثل في تصرفات وسياسات سلطوية تقوم على الاستخفاف غير المسبوق، والاستغفال والاستغباء المفرط بمواطنيها، ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل لقد وصل الحال بتلك السلطات إلى استغلال ظروف ومعاناة المواطنين للمتاجرة والمزايدة بها في المحافل الدولية، فهذا الطرف يزايد بموضوع المرتبات ويتباكى عليها ويذرف دموع التماسيح من أجلها، وهذا الطرف يزايد بموضوع الأسرى والمعتقلين، وذاك الطرف يزايد بموضوع الطرقات وفتح المعابر وهكذا، وكأن العملية توزيع أدوار بين تلك الأطراف لا أكثر ولا أقل، وفي ختام كل جولة مفاوضات أو مؤتمرات أو هدنة لا جديد على أرض الواقع، لتلجأ تلك الأطراف لسياسة جديدة وهي سياسة الصمت، ليس خوفاً من الشعب، ولكن خجلاً من المجتمع الدولي، خجلاً من كثرة الكذب والتضليل باسم الشعب ومعاناة الشعب والحرص على الشعب، خجلاً من النتائج الصفرية والسلبية لكل أعمالها وتصرفاتها ومزايداتها وخداعها...!!
 
وأنا هنا فقط أقوم بتوضيح حالة الشعب اليمني، ولا أنتقد السلطات فمن حقها أن تمارس كل ذلك وأكثر كسلطات حاكمة، طالما أنها تحكم شعبا خاضعا ومستضعفا ومستسلما وذليلا، شعب لا يطالب بحقوق ولا مرتبات ولا حريات ولا أبسط مقومات الحياة، شعب سلم أمره ورقبته ومصيره لحكامه، شعب أعظم أمنية له هي البقاء على قيد الحياة (شعب عرطة )، شعب أكبر إنجازاته هو مدح السلطات والتطبيل لها والتفاني في خدمتها والبحث عن رضاها والموت في سبيل بقائها، شعب قبل على نفسه الموت جوعاً وذلاً داخل البيوت، شعب ليس لديه حتى الشجاعة عن الكتابة والتعبير عن معاناته ومآسيه وأبسط حقوقه، موظفون يخافون المطالبة بمرتباتهم المقطوعة لعدة سنوات، وشعب يخاف حتى من المطالبة بوقف الحرب وتحقيق السلام ليعيش مثل بقية خلق الله، شعبا عاجزا عن إيصال مظلوميته للمجتمع الدولي، وتجار ورجال أعمال يخافون حتى من التعبير عن حجم الجبايات والإتاوات غير الرسمية التي يدفعونها، ومستثمرين يخافون من القول بأن رؤوس أموالهم محتجزة في البنوك ولا يصرف لهم منها إلا القليل وبالتقسيط المريح، ونحن هنا لا نحرض على الخروج والمسيرات والمطالبات فهذه الأمور مستبعدة ومستحيلة عند شعب خاضع، نطالب من هذا الشعب فقط مجرد الكتابة والتعبير عن مطالبهم بحقوقهم ومرتباتهم ومعاناتهم ومآسيهم ومظلوميتهم...!!
 
أعتقد أن هذا الشعب المستضعف منتظر من السلطات الحاكمة، أن تقوم بكل ذلك نيابة عنه، لذلك أقول لتلك السلطات مددي ولا تبالي، فلا حياة لمن تنادي، وبالفعل ما قصرت ها هي من تطالب وتزايد بمعاناته وحقوقه وظروفه الإنسانية الغاية في السوء والسلبية، وها هي تمارس ضده كل صور الاستغفال والاستغباء والاستهتار، فهذا شهر يمر بعد إعلان نهاية الهدنة السابقة دون أي توضيح أو تصريح أو بيان عن الوضع القائم، هل نحن في حرب أم في سلام أم في هدنة، والظاهر أنها فترة هدنة، ولكنها هدنة غير معلنة (صامتة)، هكذا قررت السلطات الحاكمة، بعد أن تأكدت بأنها تحكم شعب عرطة ، لا مطالب لديه ولا حقوق ولا يريد منها شيء غير أن تكون راضية عنه وتعمل ما تشاء وكيفما تشاء، لنقف أمام حقيقة مؤلمة وهي أن السلطات الحاكمة في اليمن محظوظة بشعب عرطة ، لذلك لا داعي لكثرة الانتقادات على هذه السلطات طالما والشعب هو الراضي على نفسه بكل ذلك، ولا داعي لتحميل السلطات مسئوليات ومطالب هي غير معنية بها أصلاً، إلا إذا كنا نريد منها أن تخرج بنفسها ضد نفسها وتطالب بحقوق الشعب نيابة عن الشعب، حتى المبعوثون الدوليون عرفوا أن هذا الشعب عرطة ، فلم يترددوا في ممارسة سياسة التضليل والتسويف والمماطلة والتمديد وصرف الوعود والأماني الكاذبة والزائفة، كيفما تكونوا يولى عليكم، وكيفما تكونوا يكون مندوبيكم الدوليين، والطيور على أشكالها تقع...!!