الطريق نحو تحرير العقل المسلم ..!!

02:32 2022/10/23

إن تحرير العقل المسلم من القيود الفكرية التي كبلته وقيدته عقودا طويلة من الزمن ، وجعلته يراوح مكانه ، لم تأتي من فراغ فقد تم غرسها وتثبيتها في هذا العقل منذ صغره ، فتحولت مع الايام من مجرد أفكار وآراء واجتهادات بشرية ، إلى قناعات راسخه وجزء من دينه وعقيدته ، يتعصب لها ويقاتل من أجلها ، وبعض تلك الأفكار للأسف الشديد قد تكون مجرد خرافات وأساطير ، وكل ذلك نتيجة التعصب المذهبي والتقليد الأعمى ، والتي تعتبر من أهم القيود التي تقيد العقل ، وتكبل قدراته الفكرية ، لتظل حبيسة فكرة واحدة ، أو رأي واحد . والتي بدورها تجعله ينظر للحياة نظرة ضيقة ، ومن زاوية واحدة فقط . ومن المعلوم أن الإنسان عندما ينظر إلى أي فكرة أو رأي ، من زاوية واحدة فقط ، فإن  نظرته حتما ستكون قاصرة ، وبالتالي فإن رأيه حول تلك الفكرة حتما سيكون رأياً غير صائب .. لذلك قال المفكرون ( المتعصب لا رأي له ) ..!!
 
واصبح من المعلوم للجميع أن الطريق الصحيح لتكوين رأي صائب وموضوعي حول فكرة ما ، يتطلب من الانسان أن يناقش كل الآراء المتعلقة بتلك الفكرة ، وينظر اليها من جميع زواياها . وبالطبع هذا الأمر ليس بالسهل خصوصا على الانسان المتعصب والمقلد ، لأنه أصبح أسير أفكار وقناعات مسبقة ، تمنعه من حتى مجرد مناقشة الآراء التي قد تتعارض أو تتنافض مع قناعاته المسبقة حول هذه الفكرة ، وخصوصا اذا كانت الآراء محل النقاش قد صدرت من أطراف أخرى ، هم وبحسب قناعاته المسبقة مجرد خصوم وأعداء . ومهما كانت تلك الآراء صائبه وتحاكي المنطق والعقل وتلامس الواقع ، إلا أن تعصبه وتقليده الأعمى تمنعانه من قبول تلك الآراء . وحتى ينتصر لعصبيته المذهبية أو الطائفية  يحاول بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة ، إلى التهوين من شأن آراء الآخرين ، من خلال إثارة الشكوك حولها ولو بالباطل ..!!
 
ومن هنا سقطت المصداقية والموضوعية وظهر التزييف والتزوير للحقائق ، وظهر الجدال والنقاش العقيم ، وزاغت العقول عن طريق الحق والصواب ، وفقدت الأمة الاسلامية طريق العقل والمنطق ، طريق الموضوعية والبحث العلمي ، طريق الانتصار للحق أينما كان ، وبذلك اصبحت قابعة في مؤخرة الركب الحضاري للأمم . وللأسف الشديد فقد حصل كل ذلك رغم أن تفعيل العقل والفكر واجب ديني في تشريعات المنهج الاسلامي ، ورغم أن التعصب والتقليد من الأمور التي رفضتها التشريعات الاسلامية رفضا قاطعا . إلا أن الواقع أثبت بأن المسلمين قد خالفوا كل تلك الشريعات ، وذهبوا يهدرون كل طاقاتهم العقلية والفكرية ، حول عصبياتهم ومذهبياتهم ، والجدال والنقاش العقيم في آراء واجتهادات من سبقوهم ، والبحث في الأمور الفلسفية التي تبحث في العالم غير المحسوس ، عالم الغيب ، والتي نهى المنهج الاسلامي عن البحث فيها ، لأنها أمور خارج قدرة العقل الانساني ، وكل بحث فيها ليس إلا اهدارا للعقل وقدراته ، وابتعدوا عن البحث في العلم المادي المحسوس الذي أوجب المنهج الاسلامي عليهم البحث فيه ، وبذلك تاه العقل المسلم وهو يبحث في الغيبيات والالهيات ، وبذلك تجمدت العقول وتوقف الابداع ..!!
 
 ومن أجل تصحيح مسار الأمة والعودة بها إلى جادة الصواب ، لا بد وكخطوة أولى من تحرير العقل المسلم من كل تلك القيود التي كبلته وقيدته وأفقدته القدرة على التفكير والابداع والبحث والتدبر والتأمل ، وأبعدته عن المساهمة الفاعلة والايجابية في مسيرة الحضارة الانسانية ..من خلال كسر كل الحواجز الفكرية التي صنعتها العصبيات المذهبية والطائفية ، وتحطيم كل القيود التي رسخها التقليد والجمود ..وذلك بفتح باب الاجتهاد في الأمور الدينية المتعلقة بالفروع والمتعلقة بأمور الناس الحياتية القابلة للتغيير والتبديل بتغير الزمان والمكان ، وذلك من خلال إزالة الهالة والقداسه حول الفكر الديني البشري ، وكذلك من خلال إبعاد العقل المسلم عن البحث في عالم ما وراء الحس ، من الغيبيات والالهيات ، لأنها خارج نطاق العقل البشري ومطالبته بالبحث فقط في العالم المادي المحسوس ، عالم التجربة والحس ، الذي يراه ويحسه ويشاهده ، والمرتبط به وبحياته ومستقبله وحضارته ..!!
 
إن.العقل المتحرر من كل قيود العصبيات المذهبية والطائفية ، والرافض للتقليد والجمود ، والرافض لإهدار طاقاته وقدراته في البحث والغوص في عالم ما وراء الحس ( عالم الغيبيات والالهيات ) ، العقل المؤمن بأمور الغيب كما وردت في القرآن الكريم ..
العقل المقبل وبكل شغف وحماسة للبحث في العالم المادي المحسوس ، لاستغلاله وتسخيره في خدمة الحضارة الانسانية ، هو العقل المتحرر من كل القيود ، هو العقل المسلم الذي نبحث عنه ، هو العقل الذي نحن في أمس الحاجة اليه ، هو العقل القادر على اعادة الأمة الى جادة الصواب ، هو العقل الذي يمتلك القدرة على جعل الأمة الاسلامية تستعيد مكانتها الحضارية في مسيرة الحضارة البشرية ..!!