أنظمة الاستبداد والتسلطية وسياسة تجهيل وتجويع الشعوب

07:08 2022/10/12

دائماً وأبداً كانت وما تزال وستظل الأنظمة الاستبدادية والتسلطية تستخدم سياسة التجهيل والتجويع والإفقار من ضمن وسائلها المفضلة في الحكم والإدارة، منطلقة من فكرة أن المجتمعات الجاهلة والفقيرة والجائعة من السهل قيادتها والتحكم بها والسيطرة عليها واستغفالها واستغلال أفرادها الإستغلال الأمثل، بعكس حال المجتمعات المتعلمة والميسورة الحال. لذلك تحرص الأنظمة الاستبدادية والتسلطية بمختلف أنواعها على تجهيل شعوبها وتغييب عقول أفرادها عن التطورات العلمية وعن الأفكار السياسية التي تدعو إلى الحرية والتحرر والديمقراطية، والتي تنادي بمنح الشعوب كامل حقوقها وحرياتها الإنسانية. كما أنها تحرص على إفقار غالبية أفراد الشعب ليصبح كل تفكيرهم محصورا في البحث عن لقمة العيش والبقاء على قيد الحياة. فالشعوب الجاهلة والجائعة لا تمثل أي خوف أو قلق أو تهديد على السلطة الحاكمة. لذلك قال الإمام علي رضي الله عنه (لو كان الفقر رجلاً لقتلته). 
بل إن السلطات الحاكمة تستغل شعوبها الجاهلة وتستخدمها في خدمتها والدفاع عن سلطانها، لأنه من السهل جداً استغفال الجهلة والتلاعب بعقولهم الفارغة التي يتم حشوها وتعبئتها بالأفكار والمعلومات التي تريدها السلطة، حتى وإن كانت مغلوطة ومتناقضة مع الشرع والعقل، وحتى وإن كانت ليست في مصلحتهم. وكذلك الحال بالنسبة للشعوب الفقيرة، فمن السهل جداً التحكم والسيطرة على البطون الفارغة والجائعة باليسير من الفتات الذي يسد رمقها، فمن السهل تحريكها وحشدها واستغلالها لمواجهة أي أخطار تهدد السلطة مقابل الشيء اليسير. فهي تنظر إلى السلطة على أنها ولية نعمتها ولها الفضل في إطعامها وإبقائها على قيد الحياة. أما إذا اجتمع الجهل مع الجوع فإنها ظلمات بعضها فوق بعض، ونادراً ما تتحرك الشعوب الجاهلة والفقيرة للمطالبة بحقوقها وحرياتها والقيام بثورات تحررية، ونادراً ما تنجح هكذا ثورات إلا إذا تلقت دعما خارجيا يساعدها ويقودها إلى الخلاص والتحرر. 
والمؤسف أن الشعوب الجاهلة والفقيرة لا تعرف أين مصلحتها، فقد تراها وهي تقف ضد حقوقها وحرياتها ومصالح أفرادها بوعي وبدون وعي. وقد تراها وهي تقف ضد دعاة الحرية والتحرر من أبنائها ، بل قد تراها وهي تؤيد قرارات السلطة التعسفية ضدهم، وليس منا ببعيد ما تعرض له الثائر السبتمبري الثلايا الذي أعلن الوقوف ضد النظام الإمامي الاستبدادي والإنضمام مع الثائرين ضده ليتعرض للسجن والتعذيب في سبيل تلك الأهداف النبيلة التي ناضل وكافح من أجلها، وبعد أن حُكِم عليه بالاعدام ، وفي اليوم الذي تم فيه إخراجه إلى ساحة الإعدام واحتشدت الجماهير، ووقف الإمام متباهياً ومتعجرفاً وواثقاً من جهل وبلادة الجماهير المحتشدة، طلب منهم إصدار الحكم على الثلايا، لأنه يعرف مسبقاً أنها بجهلها وبلادتها وعدم إدراكها لمصلحتها سوف تنحاز إليه وتنتصر له رغم استبداده بهم وتنكيله لهم، وستقف ضد الثائر الذي ضحى بكل ما يملك من أجلها ، فما كان من تلك الحشود الشاحبة والجائعة إلا الهتاف (اقتله يا مولانا الإمام). وبهكذا أساليب استبدادية وقمعية يتم ترويض الشعوب وتدجينها واستعبادها وسلبها لقرارها وحريتها وكرامتها ، فما كان من الثائر الثلايا إلا أن قال قولته المشهورة (لعنة الله عليه شعب أردت له الحياة فأراد لي الموت). 
والمشكلة ليست في الشعب اليمني، فكل الشعوب تعشق الحرية والتحرر، وتقف ضد الطغاة والمستبدين. ولكنها تكمن في سياسة التجهيل والإفقار والتجويع التي كانت تنتهجها السلطات الإمامية الكهنوتية ضدها، فتلك السياسات السلبية هي ما جعلت الإمام يراهن على حكم تلك الجماهير لصالحه ، وهي ما جعلت تلك الجماهير تقف مع جلادها وظالمها ومنتهك حقوقها وحرياتها ، وهي ما جعلتها تقف ضد الثائر من أجلها والمطالب بحصولها على حقوقها وحرياتها ، فالجاهل والجائع والفقير قد يقف ضد مصالحه وحقوقه وهو لا يدرك ذلك، بل قد يصل الحال به إلى القتال ضد مصالح نفسه، ومع مصالح جلاده والمستبد به. لذلك لا غرابة أن نشاهد حرص أنظمة الحكم الاستبدادية والقمعية حول العالم وفي كل مكان وزمان، على تجهيل وإفقار وتجويع شعوبها، باعتبارها سياسات ثبت نجاحها بشكل كبير.