موقف القرآن الكريم من ظاهرة تقديس وتعظيم البشر ..!!

04:50 2022/10/10

إن موقف القرآن الكريم تجاه ظاهرة تقديس وتعظيم البشر موقف قوي وواضح وضوح الشمس ، لا مجال فيه لأي لبس أو لأي غموض ، وذلك لأنها ظاهرة سلبية كانت ولا تزال وستظل تؤرق المجتمعات البشرية، لدورها الكبير في تشويه مسيرة الحضارة البشرية خلال تاريخها الطويل ، فقد أخرجت العقل البشري من مسالك العقل والمنطق والفكر والتفكر إلى مسالك الجهل والغفلة والتخلف ، وكان لها دور بارز في تكريس العبودية والخضوع في حياة البشر وحرمانهم من حقوقهم وحرياتهم ، وكان لها الدور الرئيسي في تكريس التمييز العنصري والطبقي داخل المجتمعات البشرية ، وكانت ولا تزال وستظل سبباً في تخلف وتراجع العديد من المجتمعات البشرية ، التي لا تزال قابعة في مربعات الجهل والتخلف ، ولم تتخلص بعد من الظواهر السلبية التي تقيدها عن الحركة وتمنعها من الإنطلاق نحو رحاب التطور والتقدم ..!! 
 
وكم هو مؤسف ..
أن يكشف لنا التاريخ الإسلامي ، خلال فتراته الزمنية المختلفة ، أن العقل الإسلامي قد إنساق خلف هذه الظاهرة ، رغم الآيات الواضحة التي جاءت في القرآن الكريم ، التي تُحذر من الإنسياق خلف الظواهر السلبية التي تعيق التطور الحضاري ، والتي تحرم الناس من حقوقهم وحرياتهم ، والتي توجب على كل مسلم تفعيل عقله وتفكيره ، فلا تدين ، ولا عبادات ، ولا عقيدة ، ولا إيمان ، في الإسلام ، بلا تفكر وتدبر ، وبلا عقل وتعقل ، وعلم ودراية ، ورغم أن البشرية تعيش اليوم ، في عصر العقل والعلم والتكنولوجيا ، إلا أن هناك العديد من العقول وخصوصاً ، في عالمنا الإسلامي والعربي ، لا تزال تنساق وتنقاد خلف ظاهرة تقديس البشر وتعظيمهم ، وإلصاق بعض الصفات الإلهيه بهم ..!! 
 
لذلك ..
لا غرابة أن يكون موقف القرآن الكريم ، موقف قوي وصارم فيما يتعلق بظاهرة تقديس وتعظيم البشر ، قال تعالى :- (( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني مَلَكْ إن اتبع إلا ما يوحى إليّ قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون )) ( الأنعام : ٥٠ ) ، فهذه الآية القرآنية الكريمة وغيرها كثير ، توضح موقف الإسلام الواضح والصريح ، الذي يُحرِّم تحريماً قاطعاً ، ظاهرة التقديس والتعظيم لغير الله تعالى ، أو إضفاء أياً من الصفات الإلهيه لأي مخلوقٍ كان ، وفي صورة بلاغية ولفظية ميسرة ومبسطة ، كما هي عادة القرآن الكريم دائماً في إيصال الفكرة والمعلومة في أبسط صورة ، معتمداً على المنهجية العقلية المقارنة ، التي يمكن لأي عقل بشري مهما كانت درجة ذكائه متدنية ، فهم مدلولاتها ومعانيها ، ها هو يخاطب في هذه الآية الكريمة العقل البشري ، على لسان رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام ، قائلاً لهذا العقل :- إذا كنت أنا رسول الله الذي أختارني الله تعالى ، لمهمة عظيمة وجليلة ، وهي مهمة حمل الرسالة الإلهية للعالمين ، ورغم عظمة هذه المهمة ، وهذا التكليف الإلهي ، إلا أن قدراتي وإمكانياتي ، محدودة في حدود القدرات البشرية ، فأنا ليس عندي خزائن الله تعالى ، وأنا لا أعلم الغيب ، وأنا لست مَلَك ، أنا مجرد بشر أتبِّع فقط ما يوحى إليَّ من الله تعالى ..!! 
 
والمقارنة العقلية والمنطقية التي جاءت بها الآية القرآنية السابقة ، كفيلة بإزالة أي لبس أو غموض حول ظاهرة تقديس البشر ، وكفيلة بتصحيح أي مفاهيم أو معلومات مغلوطة تلقاها العقل البشري حول هذه الظاهرة ، كما أن العقل المستنير لا يمكن أبداً ، أن يقبل بتقديس بشرٍ مثله ، لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ، وبتفعيل العقل والفكر كما يجب وكما ينبغي ، سوف تتساقط كل الخرافات والاساطير الأرضية والكهنوتية ، التي تتعارض مع العقل والمنطق ، وفي آخر الآية الكريمة ، دعوة صريحة وواضحة ، بوجوب التفكر والتدبر في كل الأمور ، ونهي شديد عن التقليد وتعطيل العقل ، كون التفكر والتدبر هو سلاح العقل ، لمحاربة كل الظواهر السلبيه الناتجة عن الخرافات والأساطير ..!! 
 
وبذلك فإن أي محاولات لصناعة هالات من التقديس والتعظيم والتفخيم حول فرد أو أسرة أو جماعة أو فئة ، الهدف منها هو تكريس الجهل والتخلف والتراجع والإستخفاف بعقول الناس ، وفي ذلك مخالفة لموقف القرآن الكريم ، الرافض لهكذا محاولات وممارسات وطقوس ، تتناقض مع معطيات العقل والمنطق والعلم ، وبهذا الموقف القرآني العقلاني والمنطقي العظيم ، نتبين بأن الإسلام هو دين العقل والعلم والمنطق ، ولا مكان فيه للخرافات والأساطير ، الخارجة عن نطاق الفكر والتفكير والعالم المادي المحسوس . ولا مكان فيه للظواهر السلبية ، التي تتعارض مع الشرع والعقل والمنطق ، والتي تستهدف استغفال عقل الإنسان وانتهاك حقوقه وحرياته وتعطيل مسيرته الحضارية ..!!