التوظيف السياسي للمناسبات الدينية...!!

02:57 2022/10/04

إن قيام السلطات الحاكمة بتوظيف المناسبات الدينية سياسياً ظاهرة ليست بالجديدة ولا بالمبتكرة بل قديمة جداً، حيث كانت السلطات الحاكمة في العصور القديمة تستغل المناسبات الدينية لإقامة الاحتفالات وممارسة الطقوس التي تمجد وتقدس الحاكم بصفته الإله الحاكم أو ابن الإله أو ممثل الإله، وكان رجال الدين والكهنة هم من يقومون بهذه المهام، وكان يتم فرض الطقوس الاحتفالية على جميع المواطنين، وأي تهاون أو تقصير في إقامة تلك الطقوس يضع المواطن في دائرة الشك والريبة، بل لقد كانت المشاركة فيها بمثابة مقياس لتقييم ولاء المواطنين للسلطة الحاكمة، كما أن رجال الدين والكهنة كانوا يبتكرون المزيد من الطقوس التي تصنع في نفوس المواطنين المزيد من صور الخضوع والاستسلام، ولا يفوتنا استغلال الكهنة ورجال الدين لتلك المناسبات لفرض المزيد من الجبايات على المواطنين كقرابين وهبات يقدمونها للآلهة بهذه المناسبات...!!
 
وسارت السلطات الحاكمة المتعاقبة على نفس المنوال وخصوصاً الثيوقراطية والكهنوتية منها، وإن تغيرت الأساليب وتنوعت الطقوس، فالحضور الطاغي لرجال الدبن في كل المراسيم والطقوس، وصناعة هالة من القداسة حولها، وصبغها بصبغة تتناسب مع المنهج الفكري والمذهبي للسلطة الحاكمة، وتوظيفها لتمجيد وتعظيم السلطة الحاكمة، وفرض المزيد من الجبايات على المواطنين، تظل من أهم الأساليب المشتركة عند الكثير من السلطات الثيوقراطية والكهنوتية حول العالم، ودائماً ما تحرص تلك السلطات على فرض ثقافتها وأفكارها على أجواء المناسبات الدينية، لتفرغها من محتواها الديني الروحاني وتملأ بدلاً عنها محتوى سياسيا نفعيا دنيويا، أو يمكننا القول إنها تقوم بخصخصة تلك المناسبات، لتصبح ذات نكهة خاصة تتوافق مع توجهات وأهداف وغايات السلطة، وبذلك فإن التوظيف السياسي للمناسبات الدينية يفقدها قيمتها الروحانية والوجدانية والجمالية، كما أنه يحول المشاركة فيها من الاختيارية والمبادرة والرغبة إلى الإجبارية والإرغام، وأي عمل يتم فرض المشاركة فيه بالإجبار والإكراه، يتولد حوله حالة من الرفض والتمرد والمعارضة...!!
 
فإذا كان الله تعالى قد أعطى الإنسان كامل الحرية في أهم موضوع وهو التدين، ومنع إكراه أحد على اعتناق الإسلام، قال تعالى ((لا إكراه في الدين))، فمن أعطى بعض السلطات الإسلامية الطائفية والمذهبية المتعاقبة، الحق في فرض طقوسها المذهبية والطائفية في المناسبات الدينية على بقية أفراد المجتمع المخالفين لها في المذهب والمعارضين لها في السياسة، إن الله تعالى ودينه ومنهجه بريء من ذلك، وكل ما في الأمر أن النزعة السلطوية والتسلطية هي من تدفع بتلك السلطات لفرض وتعميم طقوسها وفكرها على المناسبات الدينية، وهي من تدفعها إلى صبغ تلك المناسبات بصبغة مذهبية وطائفية وحتى سياسية، مستغلة في ذلك قوتها وسلطاتها ونفوذها على إجبار الرعية بالالتزام بطقوسها الاحتفالية، في محاولة منها لفرض فكرها ومنهجها وثقافتها وتوجهها السياسي على بقية أفراد المجتمع بالقوة، وقد تنجح في تحقيق ذلك وتفرض طقوسها وثقافتها على أجواء المناسبات الدينية، وهي لا تدرك أنها بتصرفاتها تلك التي تتعارض مع مفاهيم الرغبة والمبادرة وحرية الاختيار، تقوم بصناعة معارضة قوية ومتزايدة تجاه ممارساتها تلك، خصوصاً عندما تتزايد التكاليف المادية الناتجة عن المشاركة في مراسيم وطقوس وأجواء تلك المناسبات...!!
 
فالإنسان بطبيعته البشرية يشعر بالتذمر تجاه أي شيء يتسبب في مضاعفة خسائره المادية، لذلك جعل الله تعالى موضوع الصدقات وأعمال الخير أمر اختياري بمبادرة ذاتية من الشخص نفسه، لأنه جل شأنه يعلم بحالة الشح التي تسيطر على النفس البشرية، وحالة التذمر والسخط التي تصيبها نتيجة إنفاقها للأموال، فما بالنا بتلك السلطات التي تستغل المناسبات الدينية لفرض المزيد من الجبايات على المواطنين، بأشكال وصور متعددة ومتنوعة، وحقيقة الأمر أن الاختيار والمبادرة والعمومية هي من تعطين المناسبات الدينية قيمتها وروحانيتها وجمالها، بينما الإجبار والإكراه والإلزام والخصخصة والتوظيف السياسي هي من تفقد المناسبات الدينية قيمتها وروحانيتها وجمالها، وهي من تصنع المزيد من المعارضة حول الطقوس والآليات التي تفرضها السلطات، لأنها تصبح في نظر المعارضين السياسيين والمذهبيين عبارة عن فعل سياسي وليس مناسبة دينية، لذلك كم هو جميل ورائع أن تقام الطقوس الاحتفالية بأي مناسبة سواء دينية أو وطنية بشكل اختياري وبالطريقة التي يحددها ويختارها الشخص نفسه وبحسب الفكر والمنهج الذي هو مقتنع به، كما يحدث في المجتمعات المدنية حول العالم...!!