شظايا انتكاسة بوتين

11:57 2022/09/24

لم يكن يدور بخلد أي مراقب للحرب الروسية الأوكرانية حصول هذا التقهقر الروسي والتراجع أمام القوات الأوكرانية والتي لم يكن أي محلل استراتيجي ولا حتى قيصر روسيا توقع أن تستغرق الحرب كل هذا الوقت الطويل من دون حسم أو كسر إرادة زيلنسكي ودفعه للهروب وحكومته خارج أوكرانيا وتحوله إلى أحمد جلبي أوكراني آخر!
صحيح أن القوات الأوكرانية حصلت على دعم استخباراتي ومعلومات وأسلحة متطورة من أمريكا وأوروبا، ولكن المفترض أن الجيش الروسي بما يمتلكه من خبرات تاريخية وإرث وترسانة أسلحة قوية يكون قد أعد لحرب عالمية وليس لحرب تقليدية مع دولة صغيرة مثل أوكرانيا كانت في الماضي القريب إحدى ممتلكات روسيا الشيوعية.
ما الذي جرى في الشهور الأخيرة من تطورات على جبهات القتال؟ وما سبب إخفاق جيش بوتين من تحقيق انتصار واضح سواء بكسر إرادة الخصم أو إخضاع العاصمة الأوكرانية كييف لسيطرته، وقد وصلت قواته عند بواباتها بمسافة لا تبعد سوى عشرة كيلومترات؟
هناك تكتم كبير على خسائر الجيش الروسي في الأفراد. ورغم التباين بين التقديرات المختلفة لتلك الخسائر فأنا أعتقد أنها لا تقل عن أربعين ألف قتيل وضعفهم من الجرحى. وما يعزز هذا الاعتقاد دعوة بوتين للتعبئة العامة الجزئية، إضافة إلى تعديل مجلس الدوما الأربعاء الماضي قانون التجنيس. إذ بات بإمكان أي أجنبي يتطوع للقتال مع الروس يحصل على الجنسية الروسية بعد سنة واحدة.
كما أن الإخفاق الكارثي والأداء القتالي السيئ للقوات الروسية كان سببا وراء إطلاق بوتين ومساعده القوي ميدفيدف تهديدات نووية غاية في الخطورة. فمن المعلوم أنه بعيد الحرب العالمية الثانية ومأساة هيروشيما وناغازاكي في اليابان جرى ما يشبه العرف الدولي الصارم ين امتلاك السلاح النووي هو للردع والتوازن وأن مغامرة التلويح باستخدامه سوف يدفع الكوكب إلى جحيم نووي لن تسلم من شظاياه دولة أو قارة معينة.
من يستطيع أن يساعد على إنزال بوتين من الشجرة بكرامة تليق بحجم روسيا. فالحروب كما يقول ضباط الأركان يشعلها القادة المدنيون وليس العسكريون، لأن الأخيرين يعلمون صعوبة إنهائها وماذا تعني خسائرها وآثارها المدمرة!
أتذكر بعد مرور ثلاثة أسابيع على بدء الحرب العراقية الإيرانية حضرت مع أكاديميين وحزبيين في مستوى متقدم لقاء لنائب الرئيس العراقي الراحل صدام حسين -رحمه الله-  السيد طه ياسين رمضان، رحمه الله، في الجامعة المستنصرية ببغداد. وسأله أحدهم هل أن القيادة العراقية أعدت الشعب والإمكانات أن طال أمد الحرب؟ فأجاب: نعم لقد أعددنا لها حتى لو استمرت ستة شهور لكنها امتدت ثماني سنوات بالتمام.
لا دولة في العالم، من أمريكا إلى أوروبا والعالم بأجمعه، لم تنله شظايا الحرب سواء في نقص إمدادات الطاقة أو ارتفاع أسعار الغذاء وتكاليف نقل السلع. وكل ذلك يجري مع مسار حرب تقليدية في نطاق جغرافي محدد، فكيف لو فقد بوتين صوابه أمام التراجع المخيف لقواته وحجم خسارته إضافة إلى أن إعلان التعبئة العامة رافقه ازدحاما شديدا على منافذ الحدود ومكاتب شركات الطيران طلبا لمغادرة روسيا، وهو يمثل أمرا مهما أن حرب بوتين على ىوكرانيا لا تلقى ترحيبا شعبيا داخل روسيا.
ما المطلوب الآن لإنقاذ العالم من كارثة تورطت بها كل الأطراف الدولية، من لديه القدرة والمقبولية لبذل مساع حميدة بين الجانبين المتحاربين؟
أعتقد لكوني متابعا جيدا وأكاديميا أمضى ثلاثة عقود في السياسة علما وتدريسا وممارسة وبضوء النجاح الكبير لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في عملية تبادل الأسرى بين البلدين والإشادة العالمية جاءت لتعبر عن فرصة تاريخية للمملكة العربية السعودية وقيادتها في العمل بصبر ومثابرة لانطلاق مساع حميدة ولو خطوة خطوة لنزع صواعق حرب نووية ولو تكتيكية كما يقول البعض. ولكن الحرب هي الحرب دمار وأضرار للبشر ولحجر والاقتصاد والسلام العالمي. إن هناك فرصة سانحة لتدخل الأمير محمد بن سلمان أول لأن ثقل المملكة كبير على الساحة الدولية ويحظى بمصداقية ومقبولية من جميع الأطراف ولا بأس  من تنسيق عدد من الخطوات مع الرئيس التركي أردوغان. وسوف يكون ذلك أهم إنجازا عالميا لمصلحة السلام والأمن الدوليين. فالأمم المتحدة منظمة باتت منبرا للخطابة ومجلس الأمن مغلول بقيود الفيتو الروسي والصيني. وليس هناك سوى مبادرة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. مبادرة ذكية تحقق نجاحا بالتقاط أمرا يمكن أن يضيف لرصيد المملكة العزيزة على قلوب العرب والمسلمين رصيدا عظيما، وهي تحتفل اليوم بيومها الوطني المجيد. وقالت العرب قديما الذكاء ينتصر على الدهاء! حسبنا الرئيس بوتين داهية لكنه غرق في أوحال أوكرانيا.
* كاتب وأكاديمي من العراق