26 سبتمبر 1962م .. ستبقى هي الثورة التي لا تهزم ولا تنكسر

04:13 2022/09/23

نحتفي هذا العام ويحتفي كل أحرار وشرفاء اليمن بالذكرى الستين لقيام ثورة 26 سبتمبر 1962 م، هذه الثورة التي قامت ضد أعتى حكما استبداديا تحلى بكل قيم الجهل والتخلف ومارس كل صنوف القهر والطغيان والغطرسة بحق شعب الحكمة والإيمان، شعب شيدا أعظم الحضارات الإنسانية وكان في طليعة الشعوب المتحضرة التي استوطنت الكون، ومع ذلك جاء حفنة من الجهلة والقتلة لينصبوا أنفسهم حكاما عليه مستغلين مشاعر التدين الصادقة لدى هذا الشعب الذي لم يدرك أن من جاءا إليه هاربا يطلب منه النجاة والحماية سيتحول بعد بضع سنوات إلى حاكم يتوارث وأنجاله وأحفاده وبقايا المطاريد الذين جاؤوا معه هاربين بعد معركة (كربلاء)، سيتحول إلى طاغية يكرس كل مظاهر الجهل والتخلف ويفرضها على الشعب وباسم الدين البريء من أولئك الطغاة ولا يزل يتبرأ من أحفادهم حتى اليوم، ورغم التقادم الزمني وتحولاته وإحداثه.
تعرض هذا الشعب للعديد من الغزوات وخضوعه لحكم الغزاة تارة باسم الله وأخرى باسم رسوله، إلا أن هذا الشعب ظل يقاوم ينتصر وينكسر، حتى جاء فجر 26 سبتمبر مبددا قتامة الليل الذي طال والجهل الذي خيم عليه، وكان آخر طغاته المتسلطين هم آل حميد الدين وكبيرهم الذي استغل (فرمان الغازي العثماني_الذي تم بموجبه تعين يحيى بن حميد الدين رئيسا للمحكمة الزيدية) بالشروط العثمانية وفق اتفاقية صلح ( دعان ) الذي يتحدث عنها الكثير ولكن الأكثر لم يطلع غالبا على نصوص ذاك الاتفاق الذي يتوهم الكثير أنه منح حكم اليمن لأسرة آل حميد الدين، وهذا الاعتقاد أو التوهم غير دقيق فالعثماني قام بشراء ولاء آل حميد الدين بتعيين كبيرهم (يحيى) رئيسا لمحكمة الزيدية، لكن تدهور الوضع العثماني وهزيمتهم في الحرب الأولى جعل آل حميد الدين وبالاتفاق مع المستعمر البريطاني ينصبون أنفسهم على اليمن كحكام واجب طاعتهم، فعاش شعبنا أسوأ مراحله التاريخية تحت حكم طغاة أكثر طغيانا وجهالة من سابقيهم من الطغاة...
تأتي الذكرى ال60 لعيد ثورة 26 سبتمبر، بينما لا يزال اليمنيون وفي الطليعة القوى الوطنية الذي لم تبيع نفسها، يواجهون الموجة الارتدادية للإمامة، في وجهها البشع، الذي تمثله المليشيات الحوثية الإرهابية، ومن خلفها نظام إيران، وهو ما يعطي الذكرى دلالة أكبر، ويمنح الشباب اليمنى شغفاً أعظم في الاحتفال بثورة الآباء والأجداد التحررية.
إن ذكرى ثورة ال26 من سبتمبر المجيدة تجسدت لدينا عظمة أولئك الثوار الأحرار الذين أدركوا خطورة الحكم السلالي البغيض فقدموا أرواحهم الزكية الطاهرة في سبيل إنقاذ الشعب والحفاظ على هويته، كما تتجسد خطورة المشروع الإمامي من خلال الممارسات الإجرامية التي تنفذها مليشيا الانقلاب الحوثي السلالي.
إن ثورة 26 سبتمبر 1962م كانت- وما زالت- تمثل هوية الشعب اليمني وحاملة تطلعاته وآماله ومنها استلهم الثوار في كل محطات النضال الوطني الروح الثورية التي تأبى الذل والانكسار ورغم كل المعاناة في هذه المناسبة لا يتأخر أبناء الشعب في مناطق سيطرة المليشيا الكهنوتية السلالية في الاحتفاء بذكرى ثورة 26 سبتمبر العظيمة، رغم أساليب القمع والبطش الإمامية، التي أرادت طعن سبتمبر بنكبة تسبق فرحة اليمنيين الكبرى.
كانت ثورة 26 سبتمبر 1962 م هي خلاصة نضال وطني طويل وشاق وبداية انطلاق اليمن نحو آفاق الحرية والتقدم، غير أن أعداء الوطن والشعب من الداخل والخارج لم يستسيغوا فكرة امتلاك الشعب اليمني لحريته وقراره فحشدوا قواتهم وحلفاءهم لمواجهة إرادة الشعب والقضاء على حقه في الحرية والسيادة والكرامة الوطنية والتقدم الاجتماعي...
لتدخل الثورة ميدان المواجهة من أجل البقاء والانتصار لأهدافها الستة الخالدة التي سطرت بدماء الشهداء ونحتت في ذاكرة وطن ووجدان مواطنيه.
ورغم مرور ستة عقود على انبلاج فجر الثورة اليمنية الخالدة، إلا أن هذه الثورة لم تستقر بعد، ولا تزل تواصل معاركها من أجل الانتصار وتحقيق مضامين أهدافها الستة الخالدة.
معارك عديدة ومتنوعة وطالت مختلف المناحي الحياتية والحضارية خاضتها وتخوضها الثورة اليمنية التي لم تخفت نيران مدافعها بعد، ولم تستكن أو تشعر بالاستقرار، فيما أعدائها بدورهم لم يدعها تشعر وان بقدر من الأمان حتى خلال بضعة عقود شهدتها البلاد وإعادة خلالها اللحمة الجغرافية عام 1990 م إلا أن تلك الفترة لم تكن خالية من التخرصات ولم تمر رغم مشاهد الاستقرار الصوري الذي عشته المسيرة الثورية اليمنية، حتى جاءا الانفجار الكبير والذي تعيشه اليمن اليوم، الذي لا يختلف عن ذاك الذي واجهته الثورة في بداية انطلاقها وان تغيرت مواقف بعض أطرافها الذين غيروا مواقفهم بما يتماشى مع مصالحهم لكن الهدف يظل قائما وهو احتوى إرادة شعب والسيطرة على تطلعات وطن والحيلولة دون تقدمه وتطوره وتنميته الحضارية وعقارب الساعة لا يمكن أن تعود للخلف.