علاقة الأحزاب الدينية والأيديولوجية بالشورى والديمقراطية

07:35 2022/09/18

بدايةً، لا بد من إدراك حقيقة مهمة جداً في عالم السياسة قد يكون الكثير غافلا عنها، وتتمثل في أن هناك علاقة تنافر وتضاد بين العمل السياسي الشوروي والديمقراطي  وبين الأحزاب ذات الأفكار الدينية والأيديولوجية (اليمينية أو اليسارية)، وذلك لأنها ترى أنها فقط على الحق وما دونها على الباطل، وترى أن كل من يخالفها الرأي والفكر منافقٌ أو كافر أو عدو (من لم يكن معي فهو عدوي)، لذلك لا مكان في فكرها السياسي للشورى والديمقراطية والحرية والتعددية الحزبية، ولا مكان للقبول بالآخر واحترام الآخر. لأن قبولها بهكذا أفكار تحررية وديمقراطية وتعددية فيه تناقض فاضح مع قناعاتها القائمة على واحدية الفكر وواحدية الرأي التي تسخر كل طاقاتها وإمكانياتها في سبيل تعميمها وفرضها على الآخرين. فمن يظن أنه وحده على الحق وأنه وحده من يملك الحقيقة وأنه وحده وكيل الله في أرضه ونائب الله في تدبير شئون عباده، لا حاجة له لرأي آخر ولا حاجة له لنصح أو نصيحة أو شورى. 
وبذلك، لم يشهد التاريخ السياسي البشري أن اجتمع العمل السياسي الشوروي والديمقراطي مع الأحزاب ذات الأفكار الدينية والأيديولوجية في نظام سياسي واحد (باستثناء العهد النبوي والعهد الراشدي)، ولم يشهد هذا التاريخ أن نظاماً دينياً أو نظاماً أيديولوجياً يسارياً سمح لأفراد شعبه بممارسة العمل الشوروي والديمقراطي في مختلف الحضارات والمجتمعات البشرية، وهذا يؤكد لنا الحقيقة السابقة. وحتى لو أظهر أي حزب ديني أو أيديولوجي قبوله بالشورى والديمقراطية، فإن ذلك يقتصر فقط على الناحية النظرية وكتكتيك سياسي مرحلي خلال فترة سعيه للوصول إلى الحكم. وبمجرد أن يصل إلى السلطة، سرعان ما ينقلب على كل ذلك ويظهر وجهه الحقيقي القائم على التسلط والاستبداد ومصادرة الحقوق والحريات ، ومحاربة كل صور الشورى والديمقراطية ورفض الشراكة مع الآخر، ورفض التعددية الحزبية (جماعات الإسلام السياسي أنموذجاً). 
وبذلك، لن يكتب النجاح لأي تجربة عربية نحو الديمقراطية والشورى والتعددية الحزبية، طالما وفيها أحزاب ذات أفكار دينية متشددة أو ذات أفكار أيديولوجية متطرفة ترى أنها وحدها على الحق والباقي على ضلال، أو ترى أن الحكم حق إلهي حصري لها دون غيرها، لأن هكذا أفكارا تتناقض تماماً مع الشورى والديمقراطية والتعددية وحرية الرأي والتعبير. كما أن مثل هذه الشعارات هي في حقيقة الأمر تؤسس للأنظمة التسلطية والاستبدادية. وما نشاهده اليوم من صراعات في الساحة العربية عموماً هو النتيجة الطبيعية لوجود مثل هكذا أحزاب، وبالذات الأحزاب الدينية المتشددة التي تعمل بكل قوة لتقويض أي نظام سياسي عربي شوروي ديمقراطي، والتي ترى في العمل الديمقراطي شرا مستطيرا. والحل الوحيد لنجاح العمل الشوروي والديمقراطي في العالم العربي يتمثل في دعم الأحزاب ذات الأفكار الوسطية والمعتدلة التي تحترم الشورى والديمقراطية والتعددية والحقوق والحريات، وتحترم الآخر وتتعايش مع الآخر وتقبل بالآخر (حزب المؤتمر الشعبي العام في اليمن أنموذجاً). 
وما نستخلصه من التاريخ السياسي البشري بأن هناك علاقة وثيقة بين الأحزاب الدينية والأيديولوجية المتشددة والمتطرفة، وبين الاستبداد والتسلط والقمع، وهناك علاقة سلبية بينها وبين الشورى والديمقراطية (الأحزاب المسيحية اليمينية المتطرفة والجماعات الإسلامية المتشددة، الحزب الألماني النازي والحزب الإيطالي الفاشي والحزب الشيوعي السوفيتي.... الخ أنموذجاً). والدليل على ذلك أننا لم نشاهد خلال بحثنا في التاريخ السياسي البشري أن حزباً دينياً أو إيديولوجياً حاكماً سمح بالشورى والديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية واحترم الآخر وتعايش مع الآخر، وأتاح المجال واسعاً للحقوق والحريات، بل العكس هو الذي حصل، حيث اختفت كل معالم الشورى والديمقراطية، وتم تحريم التعددية الحزبية والسياسية، وتم مصادرة الحقوق والحريات وأصبح الاستبداد والقمع والتسلط والبطش هو سيد الموقف. وبذلك، فإن السبيل الوحيد لنجاح العمل السياسي الشوروي والديمقراطي في العالم عموما، وفي الوطن العربي خصوصاً، هو بدعم الأحزاب السياسية ذات الأفكار الوسطية والمعتدلة والمدنية والسلمية والحضارية.