الحرب والهدنة في اليمن.. معاناة وابتزاز

02:21 2022/09/05

لن أبالغ إذا قلت وبكل ثقة إن الشعب اليمني يتعرض لأبشع معاناة إنسانية وأكبر عملية إبتزاز في التاريخ سواء خلال فترة الحرب أو في فترة الهدنة، نتيجة تآمر كل الأطراف الضالعة في الحرب عليه سواء الداخلية أو الخارجية، وكأن الهدف من المتغيرات السياسية وما ترتب عنها من الحرب، هو إنهاك الشعب اليمني والقضاء على كل آماله وتطلعاته في حياة هانئة ومستقبل أفضل كبقية الشعوب، وما يؤكد ذلك أن غالبية الشعب اليمني اليوم أكبر طموحاته وتطلعاته تكمن في البقاء على قيد الحياة، بعد أن تم تضييق الخناق عليه من كل اتجاه، وبعد أن حرم من الحصول على أبسط الخدمات الضرورية، وبعد أن قيدت كل حقوقه وصودرت كل حرياته ، تحت ذريعة الحرب وما أدراك ما الحرب. 
الحرب التي صنعت امبراطوريات مالية واقتصادية ضخمة جداً، على حساب معاناة ومآسي وأحزان وألام الشعب، الحرب التي صنعت كيانات حزبية وفئوية ومناطقية خارج نطاق النظام والقانون، وأضعفت دور مؤسسات الدولة الرسمية لتصبح هامشية ومستلبة وعاجزة، الحرب التي صنعت جيوش حزبية ومليشاوية ومناطقية وطائفية ولاؤها لقياداتها وأحزابها وليس للوطن، الحرب التي صنعت إمارات ودويلات حزبية ومناطقية وطائفية متعددة هنا وهناك، على حساب تمزيق الجغرافيا اليمنية الموحدة، الحرب التي عبثت بالوظيفة العامة وبالمناصب الحكومية والرتب العسكرية الخاضعة للنظام والقانون والأولوية والخبرة والكفاءة، وحولتها إلى وظائف ومناصب ورتب توزع وتوهب حسب الولاء الحزبي والطائفي والمناطقي، الحرب التي حرمت أكثر من مليون موظف يمني من مرتباتهم وحقوقهم للسنة السادسة على التوالي، الحرب التي شوهت ودمرت كل شيء جميل في وطني. 
الحرب التي اتفقت جميع أطرافها الداخلية والخارجية على مضاعفة وزيادة معاناة ومآسي الشعب اليمني، فترى هذه الأطراف لا تتفق على شيء مثل اتفاقها على تعميق آلام وأحزان الشعب اليمني. فحتى عندما اتفقت على وقف الحرب وعقد فترة هدنة، فقد حرصت كل الحرص على ألا يستفيد الشعب اليمني من الهدنة بأي حال من الأحوال. وبالفعل نجحت في ذلك نجاح كبير، فها هي فترات الهدنة المتعاقبة تمر دون حدوث أي تحسن في ظروف واوضاع المواطن اليمني. بل إنها تتجه نحو الأسوأ ونحو المزيد من المعاناة والمآسي؛ وهو ما يؤكد بأن الهدنة لم تكن من أجل تخفيف المعاناة الانسانية كما تدعي الامم المتحدة والاطراف المشاركة في الحرب، بل من أجل المتحاربين أنفسهم لترتيب صفوفهم والتقاط انفاسهم استعدادا لجولات حربية قادمة. 
كل ذلك يؤكد ما ذهبنا إليه في أول المقال وهو أن الشعب اليمني يتعرض لعملية إبتزاز مركبة وغير مسبوقة في التاريخ من جميع الأطراف، فكل طرف يعمل على تقوية موقفه العسكري والاقتصادي والسياسي على حساب محفظة المواطن اليمني المنكوب والمكلوم، فتراها لا تتوقف عن افتعال الازمات ورفع الاسعار ورفع فاتورة الخدمات الأساسية ومضاعفة الضرائب والجمارك والإتاوات، ورفع يدها عن واجباتها ومسؤولياتها تجاه الشعب، وكل ذلك يساهم في تفريغ محفظة المواطن وفي تحميله أعباء وتكاليف إضافية فوق طاقته وقدرته، لتجعل من الحرب ذريعة لممارسة عملية ابتزازها للشعب.
إن المتابع للمشهد اليمني سوف يصاب بالذهول والحزن من المواقف السلبية للأطراف الضالعة في الحرب اليمنية سواء الداخلية أو الخارجية وحتى الدولية والأممية تجاه الشعب اليمني، فما تفرض عليه الأطراف الحاكمة من سياسات اقتصادية ومن فواتير حكومية وضريبية وجمركية إضافية باهظة، تفوق قدرته الاقتصادية ولا تضع أي اعتبار للوضع الاقتصادي المأساوي الذي يعيشه بسبب الحرب المستمرة للعام الثامن على التوالي. والعجيب في الأمر أن تلك الأطراف لا تقوم بمسؤولياتها وواجباتها تجاه الشعب بحجة الحرب، لكن عندما يتعلق الأمر بواجبات المواطن تجاهها تسقط تلك الحجة، بل يتم مضاعفة واجباته تجاه السلطة بحجة الحرب، لتصبح الحرب وسيلة ابتزاز مزدوجة ضد الشعب اليمني من الأطراف المتصارعة، فهي لا تقوم بواجباتها ومسؤولياتها تجاهه بحجة الحرب، وفي نفس الوقت تضاعف عليه الواجبات والرسوم المستحقة لها بحجة الحرب أيضاً. كل ذلك جعلنا نقول وبكل ثقة: الشعب اليمني يتعرض لأبشع عملية ابتزاز في التاريخ من الأطراف المتصارعة، وبموافقة ورضا المجتمع الدولي والأمم المتحدة. كان الله في عونك يا شعب اليمن.