المنظمات الإنسانية والسيادة الوطنية

04:33 2022/06/27

وأنا أتابع الحملة الاعلامية ضد المنظمات الإنسانية العاملة في اليمن 
، تفاجأت كثيراً من هذا السلوك وأدركت على الفور بأن هناك سوء فهم كبيرا لدى الكثير حول هذا الموضوع ، فهذه المنظمات لا تدخل أي دولة إلا بموافقة السلطات الحاكمة فيها. وبعد أن تقدم برنامجها الانساني والخدمي وتحدد أهدافها وآليات عملها بشكل مفصل للجهات المسؤولة في هذه الدولة أو تلك. وبعد دراسة كل ذلك تحدد السلطة موافقتها على إمكانية عمل المنظمة على أراضيها أو الرفض، فلا يمكن من حيث المبدأ أن تعمل منظمة إنسانية في دولة ما بدون موافقة سلطاتها ، فالمسألة هنا تتعلق بالسيادة الوطنية، بل إن تلك السلطات هي نفسها من تلتزم بتوفير الحماية والرعاية وتقديم كل التسهيلات اللازمة لنجاح عمل المنظمات، وهو ما يستدعي قيام حالة من الشراكة والتفاهم والتوافق بين الجهتين.
كما أن العاملين في المنظمات سواء الإداريين أو الفنيين أو المدربين أو المتدربين هم من مواطني الدولة باستثناء بعض الخبراء والقيادات العليا في المنظمة قد يكونون من جنسيات أخرى، كل ذلك يثبت بأن عمل المنظمات يتم بدراية وموافقة وإشراف ورقابة السلطات الحاكمة، وبعض المنظمات قد تقع تحت قبضة جهات حزبية معارضة تقوم باستغلال العمل فيها لأغراض وأهداف حزبية، فتجعل العمل فيها حصراً على عناصرها. كما أنها لا تتردد في استغلال سيطرتها على عمل المنظمات الإنسانية لأغراض سياسية، وذلك من خلال رفع تقارير مغلوطة يتم فيها تضخيم بعض السلبيات وتهويلها، لعكس صورة سلبية عن النظام الحاكم أمام المجتمع الدولي والمنظمات الانسانية والحقوقية، ليتحول العمل الانساني والحقوقي للمنظمات إلى عمل سياسي وحزبي. وهكذا وضع لا يساعد على نجاح العمل الانساني كما ينبغي. 
ليدخل العمل الانساني والحقوقي والخدمي الذي تقدمه المنظمات الأمميه والدولية في حلبة الصراع السياسي والحزبي، وهو ما يجعل أعمالها وخدماتها وبرامجها عرضة للتشويه والنقد إذا استدعى الأمر ذلك، كأن يتم تغيير مسؤول بارز فيها ينتمي لهذه الجهة أو تلك لهذا الحزب أو ذاك، أو أن ترفض استمرار ابتزازها من هذه الجهة أو تلك أو أن تقرر تغيير عناصر عاملين فيها يتبعون هذا الحزب أو ذاك... الخ. ولا أستبعد أن ما تتعرض له المنظمات الإنسانيه العاملة في اليمن من حملة إعلامية شرسة من بعض الجهات والأحزاب يندرج ضمن ذلك، والدليل على ذلك أن المنظمات تعمل في اليمن منذ سنوات طويلة، ولم نسمع عنها شيئا. وإذا كان ما يحصل حقيقة كما تقول الحملة، لماذا تم السكوت على الممارسات والأعمال السلبية التي تقوم بها هذه المنظمات كل هذه السنين؟
بالنسبة لي، لا تربطني بهذه المنظمات أي صلة لا من قريب ولا من بعيد، فقط قبل عدة سنوات قدمت ملفا للصندوق الاجتماعي في ذمار، على أمل الحصول على عمل لديهم أسوة بغيري، خصوصاً بعد الحرب وتوقف المرتبات، ولم يتم التجاوب معي أو قبولي، فغضضت النظر عن ذلك ، إذ انتابني إحساس بأن هكذا عملا يتطلب الحصول على شفرة قد تكون حزبية أو شخصية لا أمتلك القدرة على توفيرها، ولكن لا يعني ذلك أن أقف في صف القائمين على الحملة ضد المنظمات الإنسانية انتصارا لنفسي أو لتعصب حزبي، خصوصاً وأن لدي الكثير من المعلومات التي تؤكد التزام تلك المنظمات لعادات وتقاليد المجتمع اليمني ، ومنها على سبيل المثال لا يسمح لأي عاملة في المنظمات بالخروج الميداني والمسحي إلا بوجود محرم، كما أنها تعمل على توفير الخصوصية والاستقلالية للعاملات سواء في وسائل النقل أو السكن ، كما أنها وفرت فرص العمل لعشرات الألاف من اليمنيين، بالاضافة لتقديمها الكثير الكثير من المساعدات المادية والغذائية لعشرات الألاف من الأسر اليمنية المحتاجة والمعوزة، كما أنها ساهمت في إنشاء الكثير من المشاريع الخدمية في كل مناطق اليمن.
ولست هنا مدافعاً عن أي سلبيات تقوم بها تلك المنظمات، بل إنني أطالب الجهات المسؤولة القيام بواجبها حيال ذلك، ولكن ليس من العقل أن نقف عند سلبية هنا أو هناك، وندعم هكذا حملة شرسة ضدها لم تتضح بعد أهدافها وأبعادها ومن يقف خلفها، ومن المستفيد من السعي لحرمان عشرات الآلاف من العاملين اليمنيين فيها، وحرمان عشرات الآلاف من الأسر اليمنية من مساعداتها ودعمها، ونترك كل الجوانب الإيجابية التي تقدمها المنظمات الإنسانية للشعب اليمني، كما أن في هذه الحمله محاولة غير بريئة لتشويه صورة المرأة اليمنية ، بهدف تحييدها عن القيام بواجبها تجاه مجتمعها، ومحاصرتها في دوائر ضيقة، وصولاً إلى عزلها عن محيطها المجتمعي والتعليمي والخدمي. ويبدو أن الجهات القائمة بهذه الحمله لم يعجبها ما حققته المرأة اليمنية من حضور مشرف في كل مناحي الحياة المختلفة، كل ذلك يستدعي عدم الاندفاع خلف هذه الحملة وإخضاع عمل المنظمات وخدماتها لميزان العقل والمنطق والواقع والإنجاز والخدمات ومصالح الأفراد والمجتمع، وألا نكون مجرد أبواق في أيادي من يكونوا قد فقدوا مصالحهم أو مناصبهم، أو مجرد أدوات في يد جهات سياسية أو حزبية لها أهدافها الخاصة بها. فالمطلوب هو تفعيل العقل وليس التبعية العمياء وتصديق كل ما نسمع أو نقرأ، فالكثير مما نقرأ ونسمع ليس صحيحاً، خصوصاً في ظل الفضاء الإعلامي المفتوح الذي نعيشه اليوم.