Image

الاستحواذ على الخدمات والمتاجرة بها وباء يصيب تعز

في مدينة تعز، جنوب غرب اليمن، تتجه الخدمات العامة نحو تحويلها إلى سلعة تجارية، بعد سنوات حرب شهدتها المدينة انتشرت خلالها الخدمات ذات الطابع التجاري لتقدم للمواطن بمبالغ خيالية تفوق قدراتهم.
الكهرباء والمياه والخدمات الصحية والتعليم... كلها وقعت تحت وباء الاستحواذ وأصبح الحصول عليها من قبل المواطن يوصف بالأمر الشاق.
التعليم أهم  الخدمات التي تم المتاجرة به، في محاولة لتعطيل ما تبقى من المدراس والجامعات الحكومية، في الوقت الذي لا تزال بعض مدراس المحافظة المهمة والتي كانت تستقبل الآلاف من الطلاب محتلة من قبل تشكيلات عسكرية، وانتشرت المدارس والجامعات الخاصة التي تقدم خدمات تعليمية رديئة وبأسعار باهظة، فمعظم المدراس والجامعات الخاصة تفتقر لأبسط مقومات البيئة التعليمية، حيث أن معظمها عبارة عن شقق سكنية استخدمت كمدارس وجامعات من قبل تجار وقيادات سياسية، فيما تتعرض جامعة تعز الحكومية لاعتداءات متكررة تطال ممتلكاتها وكوادرها فلا يكاد يمر شهر دون أن نسمع عن اعتداء يطال أكاديميا في الجامعة أو يتم البسط على أرضية تابعة لها.
يقول عبدالودود الحمادي (مدرب تربوي): "التعليم الخاص له تأثير على العملية التعليمية بشكل عام لأن المنشآت التعليمية الخاصة غير صالحة للتعليم، وتعتبر شققا سكنية وغرفا صغيرة تفتقر لأبسط المقومات التعليمية لا هم لها غير الربح، بل إن مستوى التعليم فيها ضحل، حتى أصبحت الجامعات والمدارس الحكومية تهدد العملية التعليمية في البلاد، إضافة إلى أنها تحرم أولاد الفقراء والمعدمين،  في الوقت الذي دمرت فيه المدراس الحكومية بسبب هجرة معلميها إلى المدراس الخاصة بفعل الإغراءات".
تقول مصادر تربوية إن إجمالي التصاريح التي منحها مكتب التربية والتعليم في تعز لإنشاء مدراس أهلية بلغ ما يقارب 100 تصريح في مربع وسط المدينة فقط، فيما تنتشر الجامعات الأهلية كانتشار النار في الهشيم على امتداد شوارع المدينة.
 
الكهرباء من الخدمات التي يحتاجها المواطن لتسيير أعماله اليومية، غير أن الكهرباء التجارية حلت مكان الحكومية وأتيحت لذوي الدخل المرتفع والتجار القادرين على تسديد الرسوم الباهظة المحددة من قبل مالكي المولدات الكهربائية، والتي تفوق قدرات المواطن البسيط؛ حيث بلغ سعر الكيلو الواحد ما يقارب 1000 ريال، مع أن الشركات الخاصة بالكهرباء تستخدم معدات المؤسسة العامة للكهرباء وتستقطب مهندسيها وعمالها؛ حيث قام مدير مؤسسة الكهرباء المقال بتوقيع عقد مع شركات الكهرباء الخاصة لتأجير شبكة الكهرباء الحكومية دون وجود صلاحية تعطيه الحق لإبرام مثل هذه العقود التي رفضها المحافظ والوزير وصدرت بحقها فتوى من الشؤون القانونية. وبرر مدير المؤسسة السابق عارف عبدالحميد، والذي تم إقالته بعد احتجاجات شعبية ضده ، أن توقف المحطات الحكومية سببه تهالك الشبكة الوطنية؛ وهو ما ينفيه أمين أحمد الحاج، الأمين العام لنقابة الكهرباء، حيث يقول: "تم تأجير الشبكة وهي لا تزال سليمة وتم إبرام العقود مع التجار بطريقة غير قانونية بحسب تقرير الشؤون القانونية في المحافظة والذي طالبت أيضا بحجز المولدات التي تستخدم الشبكة بطريقة غير قانونية".
 
 
قطاع الصحة هو الآخر لم يسلم من عبث السلطات الحاكمة في المحافظة والتي تهدف إلى القضاء على كل ما هو حكومي يقدم خدماته للمواطن مقابل رسوم رمزية، حيث تم تعطيل المستشفيات الحكومية وبشكل متعمد من قبل القائمين على المحافظة، وتم تقليل الدعم عنها في الوقت الذي تنتشر فيه المستشفيات الخاصة والتي استأثرت بالدعم المقدم من قبل المنظمات العاملة في قطاع الصحة، ونالت الحيز الأكبر من اهتمامات المسؤولين المحليين، فيما المستشفيات الحكومية يتم غض الطرف عنها وتهميشها كما هو حال هيئة مستشفى الثورة العام في المحافظة (أكبر مشافي المدينة) والذي يتعرض لاعتداءات متكررة من قبل مسلحين تابعين للقوات الحكومية، ويتم استخدام المولدات الكهربائية الخاصة به من قبل نافذين بالقوة، الأمر الذي يؤدي إلى نفاد مخزون المستشفى النفطي والذي يؤدي إلى توقف خدماته.
 
مشاريع المياه اعترضت طريقها سطوة المسؤولين وتجار، حيث تم تعطيل المؤسسة العامة للمياه والصرف الصحي وتم استثمار الآبار التابعة لها من قبل مسؤولين في السلطة المحلية، فضلا عن احتلال مقرها من قبل جماعات مسلحة. 
يقول الناشط مشهور السامعي بشأن تحويل الخدمات إلى مشاريع تجارية تخدم مصالح الفئة المسيطرة على تعز: "تقريبا اصبحت كل الخدمات في تعز مخصخصة، الكهرباء أصبحت تجارية تقدمها شركات بأسعار مبالغ فيها،  وتستخدم معدات مؤسسة الكهرباء، والماء أصبح يباع عبر الصهاريج وبأسعار باهظة في ظل تعطيل المؤسسة العامة للمياه والصرف الصحي، وبالنسبة للتعليم لا تزال بعض المدراس الحكومية محتلة من قبل تشكيلات مسلحة، حيث تتنامى المدراس الأهلية التي تقدم خدمات تعليمية رديئة بأسعار باهظة، وتفتقر لأبسط مقومات البيئة التعليمية، فيما المستشفيات الحكومية أصبحت هي الأخرى معطلة وبشكل ممنهج، وتنتشر في الوقت ذاته المستشفيات الخاصة التي تستاثر بالدعم والإمكانيات".
 
وأضاف السامعي:  "الناس أصبحت تعاني بشكل مفجع، وهناك سلطات أمنية وعسكرية ومدنية وسياسية تعتاش على هذه المعاناة وتستثمر الحرب لصالحها الخاص"، مؤكدا: "لقد أدت الحرب إلى نشوء طبقة طفيلية حققت حراكا اجتماعيا ضفدعيا، إذ قفزت من قاع المجتمع وأصبحت تملك العقارات والأرصدة البنكية ولديها أسهم وأرباح في بعض الشركات وبزمن قياسي". واختتم بالقول: "لقد حان وقت إنهاء هذه الحرب اللعينة لكي يتوقف استثمار معاناة الناس بذرائع التحرير ومواجهة الحوثي".