Image

انفتاح الفلسفة وانغلاق الخطاب المعاصر

صدر حديثاً عن دار «خواطر» في إسطنبول كتاب «فسحات الفلسفة وارتكاسات الخطاب» للكاتب والباحث السوري عمر كوش. ويقع الكتاب في 168 صفحة.

ينطلق المؤلف في هذا الكتاب من الاتجاهات الجديدة في الفلسفة والفكر، التي نشأت في القرن العشرين المنصرم، وامتدت فسحاتها الفلسفية إلى مساحات جديدة في السؤال الفلسفي، وفي الفكر والتفكير، حيث شيد الفلاسفة معماريات متعددة ومختلفة، طرحوا عليها مشكلات واستشكالات، وفق مركبات وحمولات متنوعة. ولم تكتف الفلسفة بإنزال المتعالي إلى الأرض، بل جعلت الأرض موطن الفلسفة، وصارت الجغرافيا الفلسفية تحدد فلسفة جديدة في شتى الأقاليم الإنسانية، فانفتحت على ساحة المختلف والمسكوت عنه، وعلى عالم المقامات والمحايثة والمواجدة.

لقد ولجت السوسيولوجيا، حسب الكتاب، عوالم جديدة عبر مداخل مختلفة في سعيها لتفكيك مداخل الواقع الاجتماعي والسياسي، فحل عالم الممكنات محل عالم الأشياء، وصار المكان الاجتماعي منضافاً إلى المكان الرمزي وعالم الممكنات والفاعلين الاجتماعيين. وطاولت الفلسفة التواصل، وما يتصل بالسلوك الاتصالي، عبر نظرية نقدية تفكك النظرية، وتحاول إعادة بناء جديد للمشروعية والدولة والحداثة وسواها.

ويرى المؤلف أنه «بقدر ما انفتحت الفلسفة لتدخل عوالم جديدة، فإن الخطاب المعاصر كان ينحو إلى الانغلاق والتخندق وراء مختلف دعوات التمايز وأطروحات النهايات. وكان التمركز منطلقه، والمشادات سبيلاً إلى تسيده وتعاليه، فحل الصدام والصراع في مقولات حامليه الأقوياء، مقابل دعوات يائسة إلى الحوار والتفاهم من طرف حامليه الضعفاء». ويتناول الكتاب الفسحات الفلسفية الجديدة، من خلال استقراء ما شيده عدد من الفلاسفة من اتجاهات ومعماريات، تتصل بالتساؤل عن ماهية الفلسفة، وربط الفلسفة بالأرض والإقليم عند «جيل دولوز»، وما يتصل بمفاهيم الجيوفلسفي والمحايثة وسبر الفضاءات التي فتحها اشتغال «بيير بورديو»، وعلاقة الفلسفة بالسوسيولوجيا، واجتراحه مفاهيم حقول القوى والأمكنة الاجتماعية، ثم يتوقف عند محطة المدرسة النقدية للفيلسوف الألماني «يورغين هابرماس»، واتخاذه التواصل والعقل التواصلي في مسعاه لإعادة البناء، أو التأسيس الجديد لنظرية التواصل. كما يتناول الكتاب عوالم الآخر، التي ارتكزت على التقابل بين الذات والغير، ودعاوى وأطروحات التمايز والاختلاف في الفلسفة، عربياً، لنتعرف من خلال هذا التجوال على بعض المكونات التي أكسبت الفلسفة تفاصيل معرفية جديدة، والارتكاسات التي اعترت الخطاب المعاصر».

ويهتم الكتاب بدعوات التأسيس لفلسفة عربية متميزة، وتركيزها على الذات والخصوصية والتربة المعرفية المغايرة، من خلال تناول دعوات أطلقها كل من طه عبد الرحمن، وأبو يعرب المرزوقي، وطيب تزيني، مع تبيان إرهاصات الخطاب المعاصر ومآزقه وإشكالياته، والتركيز على المشادات التي يغذيها خطاب التمركز على الذات، ومحاولاً كشف محايثات التمركز، التي تصاغ – عادة – استناداً إلى نوع من التمثيل الذي تقدمه مختلف المرويات، وذلك بغية الكشف عن المقولات التضليلية التي تقبع خلف متخيل الصور النمطية، المرسومة والمشوشة، والتي تستهلك بلا حدود في سياقات، تهدف إلى تزكية خطاب الهوية، وخطاب الصدام والصراع.

ويعتبر المؤلف أن مسعاه في هذا الكتاب هو «مسعى نقدي، ينطلق من كونية الهم الإنساني. غايته رسم صورة جديدة للفكر، ومقام للتشييد المختلف، لا ينتفي فيه الآخر، ولا تنمحي فيه الذات، بل يؤكد على مختلف الحقوق وتحققاتها وفق التربة المعرفية المعنية، وعلى التفاعل والتبادل الإنساني، المفضي إلى دروب الخلق والتشييد لعالم جديد، رحب وواسع، وفضاء يشترك فيه الجميع».