تعز المدينة التي لا تعرف الموت .. وتنتفض من بين ركام الحرب

11:57 2022/03/21

تعز مدينة العلم والعاصمة الثقافية لليمن، ذاك اللقب الذي يتداوله اليمنيون منذ عشرات السنوات وحصلت عليه رسمياً أواخر 2013، لم يكن وليد اللحظة ولم يكن عبثاً وإنما لتاريخها الطويل الذي يمتد لمئات الأعوام والحافل بالعديد من الأحداث المتميزة والتقدمية على مختلف الأصعدة وللدور الذي لعبته عبر الحقب الزمنية القديمة والمعاصرة في الحركة التوعوية النهضوية، ومنها الجانب الثقافي والأدبي، وقد تحدث الكثير من المؤرخين اليمنيين وغيرهم في كتبهم التاريخية واسهبوا في نقل واقعها المليء بالتنوع الجميل وبالحركات التنويرية، وابحروا في أعماقها ورست سفنهم على سواحلها ولم يكملوا بعد الحديث عنها في وصفها ووصف أهلها التواقين دائماً للحياة والحب والسلام والتعايش والقبول بالآخر، وكان لموقعها وطبيعة سكانها  الأثر الكبير في جعلها قبلة للمثقفين والباحثين عن العلم في مختلف المجالات ومنها الأدب والشعر لا سيما في عهد دولة الرسوليين (1229-1454م) ، وقد أنجبت هذه المدينة العديد من الكتاب والأدباء التي تزخر وتتزين المكتبات اليمنية والعربية بمؤلفاتهم التي تعد مراجع مهمة للباحثين .
وكانت ولاتزال مركز محوري ونقطة التقاء لكل المناضلين والمثقفين من كل محافظات الجمهورية شمالاً وجنوباً ما قبل الوحدة اليمنية وما بعدها لاستشعارهم بوجود بيئة هادئة توفر لهم الأجواء المناسبة لما أتوا من أجله كما أن أبناءها ينتشرون على كل مدن البلاد وهم بمثابة سفراء بمختلف طبيعة أعمالهم وتخصصاتهم ..
 
فخلال السنوات الماضية عاشت تعز فترة عصيبة وقاسية عقب الإنقلاب الحوثي على البلاد والشعب اليمني ولاقت تعز نصيباً كبيراً من المعاناة والتدمير المقصود لمسخ الحياة فيها ولقتل روح العلم والثقافة في نفوس أبناءها ولا تزال حتى اليوم تعيش حصاراً خانقاً من قبل الحوثيين الذي يعتبرون في نظر الجميع أكبر أعداء العلم والثقافة والأدب وكل شيء جميل في الحياة، ولم يكن تركيزهم على هذه المحافظة من فراغ أو مسئلة عادية وطبيعية مثل بقية المحافظات، بل لأنهم يدركون تماماً بمدى أهميتها التنويري والثقافي ولتبنيها لحركات التغيير الذي يهدد أركان سلطتهم وانقلابهم، ومع كل ما يمارسونه وما يمتلكونه من قوة عسكرية وما يشنونه من عمليات عسكرية تستهدف المدنيين طوال السبع السنوات بغرض تطويع سكانها وانهاء روح الثقافة والعلم فيها ومحاولة قتل الحماس والطاقات والعطاء المتجدد واستبدال ذلك باليأس والاحباط، إلا أن هذه المدينة كما عهدناها لم تستلم لذلك الصلف ولم ترضخ لأعداء الانسانية وترفض الموت وتأبى إلا أن تُبعث من تحت ركام الحرب لتنشر الحياة وتمسح عن وجهها كل آثار التشويه وترمم الخدوش وتنفض غبار التخلف والرجعية، وبرغم كل ما نالته من آلات واسلحة الحوثيين فهي وعبر مثقفيها وناشطيها ومكاتبها المعنية تقيم الفعاليات المختلفة التي كانت قد توقفت في الثلاث السنوات الأولى من الحرب، ولعلنا نتابع في كل عام ونسمع عن نشاطات ثقافية ورياضية وإقامة معارض الكتب وطباعتها وعمل ندوات تثقيفية تقام هنا وهناك في مختلف المجالات وعن ورش العمل المتواصلة واللقاءات الحوارية وكل ذلك دون وجود أي رقيب أو مانع من جهة أو سلطة رسمية أو غيرها، فتعز تفرض نفسها دائماً فهي المدينة التي لا تموت فيها الحداثة والثقافة وقد تميزت عن دونها بذلك الحراك عن بقية المحافظات التي تحت حكم الشرعية، وقد حصد مكتب الثقافة وبعض الأعمال الفنية المراكز الاولى في التميز والنجاح، فهي السباقة في كل ما يصنع التقدم ويواكب العالم الخارجي ويخدم الإنسان ويسعى للقضاء على بذور التأخر والبلادة والتخلف الفكري، ولن يكون أكبر مهرجان للشعر والأدب الذي أقيم اليوم آخر ثوراتها بل أن الأيام القادمة ستكون حبلى بالكثير من الفعاليات المتميزة والتي تجذب المشاعر وتلفت انتباه المهتمين وتحطم قيود العنصرية والسلطات القمعية أياً كانت وفي أي مكان تقبع .