أوكرانيا واليمن

01:00 2022/02/26

العالم ككل يترقب تطورات الأزمة الأوكرانية الروسية بحذر وكثير من القلق تخوفا من تطوراتها العسكرية إلى حرب عالمية من جهة قد يكون السلاح النووي أحد خياراتها. ومن جهة أخرى تخوفا من مدى انعكاساتها المعيشية والإنسانية والاقتصادية على جميع بلدان وشعوب معظم العالم بنسب متفاوتة وفي جزئيات محددة تختلف من بلد إلى بلد آخر.
 فعلى سبيل المثال، أزمة الطاقة والغاز ونقص نسبي للغذاء في أوروبا. مقابل أزمة الإيراد المالي في روسيا بسبب عقوبات إيقاف استيراد الطاقة الروسية والتي ربما تجد في الصين سوقا بديلة نسبية لتصدير الغاز إليها بديلا لأوروبا .
 ولكن انعكاسات تلك الأزمة على معظم البلدان العربية، وخصوصا في اليمن تحديدا بدرجة أساسية ستتجاوز جميع النسب المتفاوتة لدى البلدان العربية إلى مستوى الكارثية، ولربما ستكون رصاصة الموت في صدور اليمنيين إذا طالت تلك الأزمة.
 
ولعل العنوان الأبرز لمظاهر الأزمة الأوكرانية سيتمثل في: 
الانعدام التام لواردات القمح بدرجة أساسية، كون معظم البلدان العربية وخصوصا اليمن تعتمد على استيراد القمح من أوكرانيا التي تغطي أكثر من نسبة 35% من احتياجات العالم للقمح ونسبة 60 _ 70% من احتياجات البلدان العربية. 
وبالتالي، فان أزمة أوكرانيا المصحوبة بتدخل عسكري روسي أطلق الرئيس بوتين اليوم الخميس 24 فبراير اولى عملياته بقصف روسي للمطارات في مدينة "كييف"، واجتياح عسكري لمناطق الشرق في "دونباس" وتطويق أوكرانيا بحريا، وفرض عقوبات منع التصدير الأوكراني...
وجميعها ستلقي بظلالها على الوضع المعيشي والإنساني وستسبب كارثة إنسانية استثنائية في اليمن لن يشهد بلد آخر مثيلا لأضرارها بتلك الصورة المتوقع حدوثها في اليمن التي تعيش منذ سنوات خصوصية استثنائية!
ويمكن إيجاز جملة من المسببات التي ستعمل على زيادة تفاقم الوضع في اليمن، ونذكر منها الآتي: 
 
1/ اليمن تعيش منذ 8 سنوات سابقة أزمة معيشية واقتصادية خانقة ووضعا إنسانيا منهارا بفعل استمرار الحروب والافتقار إلى أبسط مقومات الحياة. وهذا وضع كارثي سابق لأزمة أوكرانيا التي ستأتي لمضاعفة تفاقمه عشرات الأضعاف، وخصوصا في مضاعفة أزمة القمح بسبب إيقاف تصدير القمح من قبل أوكرانيا.
 
2/ الانهيار الاقتصادي في اليمن وانهيار العملة المحلية أمام الدولار وتدني مستوى الدخل للفرد يجعل الحكومة اليمنية واليمنيين إجمالا عاجزين تماما عن الذهاب نحو بدائل أخرى لاستيراد القمح سواء من أستراليا أو أمريكا وكندا، نظرا لارتفاع سعر القمح لدى تلك الدول بفارق كبير جدا عما هو في أوكرانيا في الوضع الطبيعي سابقا، ناهيك عن ارتفاع السعر بسبب الأزمة حاليا.
 
3/ غياب سلطة الحكومة اليمنية عن إمكانية التحكم بالمخزون الاحتياطي المتوافر لدى التجار المستوردين للقمح والإشراف على تنظيم توزيعه وتصريفه حتى يتم تجاوز الأزمة. ويعود ذلك العجز إلى تشظي السلطات في اليمن وازدواجها بين سلطة حكومة الشرعية وسلطة المليشيات الحوثية وسلطات واقع أخرى هنا وهناك تضعف الدور الرقابي، خصوصا أن جماعة الحوثي وكثيرا من التجار عديمي الضمير ومافيا الفساد لدى الشرعية سيعملون على مضاعفة هذه الأزمة للاتجار بها والإثراء غير المشروع على حساب المواطن.
 
4/ عجز البنك المركزي في التحكم بالسياسة النقدية لتثبيت سعر الصرف مقابل الدولار حتى تتمكن الحكومة من ضبط سعر السلع. ناهيك عن عجز البنك عن توفير العملة الصعبة لاستيراد السلع وتنظيم آلياتها الرقاببة والتمونية.
 
5/ القرار الأوروبي والأمريكي بفرض عقوبات الطاقة على روسيا والمتمثلة بتوقيف استيراد النفط والغاز الروسي سيعمل على خلق أزمة عالمية في الوقود وارتفاع كبير في الاسعار، وبالتالي سينعكس أثرها بشكل كبير بزيادة تفاقم أزمة المشتقات النفطية في اليمن والتي هي أساسا أزمة ملازمة لليمنيين طوال سنوات الحرب وستتضاعف عشرات المرات عما هي عليه حاليا، وخصوصا في ظل انعدام الرقابة واعتماد تجارة النفط على  السوق السوداء واستغلال الحوثيين ومافيا الفساد لتلك الأزمات، وفرض العسكريين مزيدا من الجبايات على السلع وناقلات الشحن.
 
6/ النداءات اليمنية الإنسانية سيخفت صوتها لدى مسامع المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية التابعة للامم المتحدة أمام الاهتمام الدولي بالأصوات الإنسانية في أوكرانيا ودول البلطيق ومحور الصراع.  وهو الأمر الذي سينعكس أثره سلبا على اليمن من حيث تقليص الأعمال الإغاثية المقدمة لليمن وتلاشي مؤتمرات المانحين كون المانح ذاته يعيش أزمة ومنشغلا بتطورات الأزمة الأوكرانية.
 
7/ انشغال الرقابة الحقوقية والإعلامية الدولية بالشأن الأوكراني سيمنح الأطراف المتحاربة في اليمن الداخلية والخارجية فرصة سانحة لارتكاب انتهاكات وتنفيذ أعمال عسكرية بطرق وحشية ستفاقم الوضع الإنساني في اليمن.