لعنة ٢١

09:43 2020/09/19

مرور سريع وعشوائي على مواقع التواصل الاجتماعي يشير بشكل ملفت إلى طبيعة اصطفاف اليمنيين وموقفهم من تاريخين يمثلان منعطفين في حياتهم المعاصرة، تَصادف أن يكونا في سبتمبر وأنصار كل منهما يعتبرونهما تأريخين لثورتين يمنيتين، فحدث أن صار بين 21 و 26 سبتمبر فاصل من الأفكار والإنجازات وضع الخمس الأيام بينهما في مربعات زمنية تحتسب بالقرون.
 
لم يكن جيلا ما بعد ثورة 26 سبتمبر 1962 معنيين بضجيج واحتفالات سابقيهم بهذا المفصل الزمني، وتركزت مقارناتهم بين حال بلدهم وبلدان أخرى، فكان وعيهم بالمكان يكاد يلغي وعيهم الزمني، إلى أن أتى حدث مفصلي ثانٍ في 21 سبتمبر 2014 عندما اقتحم الحوثيون صنعاء معلنين هذا اليوم ثورة كذلك، فتبين كما وصفوه بأنه ثورة جذرية، وهي كذلك حقا إذ اقتلعت عائدات 26 سبتمبر على اليمن وشعبها، في لعنة، رغم سلبياتها في كافة المجالات، أعادت الاعتبار لثورة 26 سبتمبر ووضعت جيلا ما بعدها أمام حقيقة ما كان يتحدث عنه آباؤهم من جنازير الجوع والجهل والمرض، في العهد الإمامي، ورأوا ما كانوا يسمعونه رأي العين وخلق فيهم مسؤولية الوعي بالزمن.
 
وظف الحوثيون كل ما استطاعوا من أنشطة خاصة بهم كجماعة، واستغلوا مؤسسات التنشئة والضبط الاجتماعي من تعليم وإعلام ومساجد وغيرها لتلميع 21 سبتمبر في نظر اليمنيين، وسعوا إلى إقناع شعب، سمع ورأى، أن 21 سبتمبر يوم تدشين عام معاصر وتمكينهم بمشيئة إلهية، كونية ودينية، لها أبعادها النهضوية التي بكّرت الحرب في التآمر عليها ومحاولة إجهاضها متناسين أن الشعوب لا تهتم كثيرا بما يدور في عقول السياسيين من أفكار ومخططات بعكس شغفها بملامسة ومعايشة ما تجده فعلا على أرض الواقع.
 
شاهد اليمنيون، عيانا بيانا، بعد أن جنّ عليهم ليل 21 سبتمبر كوكب شعارات زائفة، ورأوا انكسارات أحلامهم والعصف بأحوالهم، المستورة في أدنى توصيفاتها، على يد الإماميين الجدد المدجنين بضلالات وسياسيات ولاية الفقيه، وعاينوا كيف يراد لهم الإيمان بتقسيمات طبقية وجه بها الله، والاعتقاد بأنه إله متحيز لسلالة مزعومة لا همّ له إلا تطويع الناس لمسيرات تقبيل الأيدي والأقدام، تعالى عما يفترون علوا كبيرا.
 
بين ليلة 21 سبتمبر وضحاها عايش اليمنيون تجزؤ بلدهم إلى كونتونات، وبعد أن زخرت يمنهم بتعابير الديمقراطية وحقوق الإنسان من انتخابات وأحزاب ونقابات ومنظمات مدنية وتعدد إعلامي وصحفي، رأوا كل ذلك يغلق في وجوههم وما بقي منها أمسى صدى صوت الحوثي، وبدلال منها نالوا القتل والاختطاف والتعذيب والسجن وكل ما يهوي بكرامتهم كمواطنين وكآدميين.
 
لعنة سبتمبرية حوثية أصابت التعليم والصحة والمياه والكهرباء والأشغال العامة من طرقات وبناء ومختلف المجالات التنموية والخدمية، ونالت من أدوات الاقتصاد العامة والخاصة على السواء.
 
رمزية الموقف الشعبي اليمني من التأريخين برزت في ظاهرة احتفاء عامة وواسعة بـ26 سبتمبر منذ أطل الشهر برأسه، بموازاة محاولات معزولة ويتيمة بـ 21 سبتمبر من قبل "الشاصات" الحوثية، ومساعٍ لإحياء تأريخ أماته الشعب.