Image

مصر.. التحدي الذي صمد في وجه طوفان دوائر الاستخبارات والجماعات المتطرفة

لم يكن بمقدور بلد كمصر الوقوف أمام طوفان الربيع العربي ومساره المنحرف، وملحقاته وأدواته وأذرعه، لو لا وجود إنسان يصر على الحياة، ومؤسسات جبلت على الثبات، وتاريخ عريق يتجاوز 7 آلاف عام يأبى أن يستسلم لمناخات مضطربة وتعرية عابرة.
 
لذا سرعان ما قام هذا البلد من عثرته، وتدارك خارطته من التآكل بقيادة المشير عبد الفتاح السيسي (19 نوفمبر 1954م) بعد أن تم انتخابه في (3 نوفمبر 2014م).
لقد تجاوزت مصر حقول الألغام التي زرعت في طريقها، وآلة الإعلام التي وجهت السهام إليها، حتى ظهرت وكأنها كانت في نزهة سيئة مليئة بالعواصف الرعدية والبروق.
 
النهضة والثورة
 
تشهد مصر ثورة إعمار كانت قد توقفت لسنوات، فخلال 4 أعوام تم إنشاء وافتتاح مشاريع قومية وأخرى متوسطة وصغيرة في كل محافظات مصر ال27، ومع ذلك ما زال هناك من يشكك ويعتقد أن هذا البلد سيستسلم بكل سهولة.
يقابل ذلك أحاديث كثيرة حول ثورة تغيير كالتي كانت مطلع 2011م، والحقيقة أن مسألة الحديث عن الثورات دون استشعار مسؤولية العواقب، هي فكرة عربية عبثية بامتياز، ظهرت في السنوات الأخيرة، لذا لا يمكن تحقيق أي طموحات في التغيير ما لم يكن هناك فكر شامل، وتوافق تام على الجزئيات والكليات من أجل إحداث تحول حقيقي غير مرتبط باجندة آنية وربما تافهة، وعدم إرباك المشهد ليصبح الجميع أمام فوضى خانقة ومآلات مهلكة.
 
انتصر النظام والجيش لمن سقطوا وهم ينشدون التغيير الحقيقي في لحظة ما، بالمقابل عاد وضرب بيد من حديد من يريدون تحويل مصر إلى بلد منفلت تحكمه الفوضى والعصابات.
 
مصر ودوائر الاستخبارات
 
اليوم مصر السيسي تواجه دوائر استخباراتية عديدة، هدفها الإيقاع بهذا البلد بأي شكل، والأمر ليس بجديد، فهناك من يريد مصر ضعيفة فاقدة للريادة فاقدة لتاريخها، مليئة بالصراعات والاحتقانات.
 
وهناك من يريد مصر دولة تابعة ومقيدة، وهناك من يريدها دولة دينية ذات طابع أيديولوجي معين، وهذا لا يتسق أبدًا مع طبيعة هذا البلد المتنوع.
 
مصر اليوم تعيش تحدياً فريداً، فهناك دول عربية لم تعد في الخارطة أو أنها شبه موجودة، وهناك دول تكاد تلحق بها، وهذا ما يجعل من الجميع يقف مع هذا البلد مع أمنه واستقراره مع سيادته.
 
مصر وسد النهضة
 
يعتبر سد النهضة الذي تشيده إثيوبيا على بعد 40 كيلو متراً من الحدود السودانية بتكلفة 5 مليارات دولار، هو الاختبار الحقيقي لرئيس الوزراء (الإثيوبي أبي أحمد) أولا، ولرسالة السلام التي على إثرها أخذ 《جائزة نوبل》، وهو التحدي الأكبر الذي تواجهه مصر في هذه المرحلة، ومن أجله تحركت الديبلوماسية المصرية، والندوات وورش العمل لمواجهة العواقب، وهناك لقاءات ووساطات على مستوى كبير، وهناك من يريد فتح باب التأويلات وإيقاد معركة مائية في إفريقيا ويدعم بسخاء في هذا الاتجاه، وقد كان لنظام البشير دور سلبي في هذا الجانب، يأتي ضمن مخطط إخواني مخابراتي للإيقاع بالدولة المصرية.
 
العمق والتنوع المعرفي
 
بكل تأكيد أن من يحفرون لمصر يجهلون تاريخ هذا البلد التلقائي والاستثنائي، سواء الجماعات الإسلامية المتطرفة أو الدويلات الطارئة التي تعيش طفرة آنية أو تلك الإمبراطوريات التي لديها أطماع وأذرع تلعب من خلالها.
الجميع غير مدرك أنه أمام بلد يتجاوز عدد سكانه ال100 مليون، بلد يحتاج سنويا لتوفير أكثر من 700 ألف فرصة عمل في القطاعين الحكومي والخاص. بلد نسبة الشباب فيه تحت سن 35 عاما يشكل أكثر من 60%.
 
لذا فإن أي حديث أو تفكير عابر يعد ضربا من الخيال، فنحن أمام مصر الدولة العميقة، وقبلهما مصر الإنسان والحضارة، مصر التاريخ والبنية الاجتماعية الواسعة بكل تفاصيلها؛ ولكي يتسنى لنا معرفة خصوصية هذا البلد، علينا أن نستوعب ما تحويه من خبايا ومظاهر وصراعات وتجانس في نفس الوقت، وبنية تحتية، بما تحويه من كثافة سكانية عالية، وحركة عمل وزراعة وصناعة وبناء وتعليم، وصحة وثقافة وأدب ومراكز أبحاث وفنون بكل أنواعها، وجيش وأمن وشرطة وحساسية مفرطة في موقعها الجغرافي والتاريخي والسياسي والريادي.