Image

بونيتا ميرسيادس محققة أسترالية تفجّر ملف كأس العالم وقطر والفساد..!

تحقيقات ميرسيادس تسلط الضوء على الكيفية التي تُدار بها كرة القدم من أوصياء أفقدوها شخصيتها المتفردة.

رغم اهتمام الإعلام الدولي والعربي بالشبهات والشكوك التي أثيرت حول ملف قطر وكأس العالم 2022 بشكل واسع، إلا أن أهم شخصية في هذا الملف، جرت التغطية عليها بصورة متعمدة، كي يتم إبعادها عن الأنظار قدر الإمكان. شخصية عرفت الملف من داخله، وهي التي كانت على تماس مباشر مع أحداثه في الاتحاد الدولي لكرة القدم ذاته، وخرجت من الدائرة الضيقة للفيفا، محمّلة بالوثائق التي تدين المتهمين وتفضح ما فعلوه.

إنها المحققة الأسترالية بونيتا ميرسيادس التي غامرت وقررت أن تكشف المستور في الكواليس المظلمة. مغامرتها تلك تحولت إلى كتاب أطلقت عليه عنوان “مهما كلّف الأمر” أقل ما يقال عنه إنه مدهش بتفاصيله ووثائقه. إذ يبدو، من خلال تجربة ميرسيادس، أننا إذا أردنا الغوص في تفاصيل الفساد المستشري في الفيفا، فإننا على الاغلب سنكون كمن يبحث في عش الدبابير.

تقول ميرسيادس إن كرة القدم كانت دائما موجودة في حياتها، منذ أن كانت طفلة صغيرة. وكغيرها من محبي هذه الرياضة حول العالم، فإن لديها، كما تقول، لاعبين مفضلين وفرقا مفضلة، ولكن، وبعكس بقية مشجعي كرة القدم، فإن ميرسيادس حظيت بفرصة أن تدخل في تجربة مثيرة مع الفيفا.

كانت ميرسيادس ضمن الفريق الذي تقدم بملف استضافة أستراليا لمونديال 2022. عاشت الحلم الأسترالي وتابعت بألم كيف خرجت بلادها من سباق المنافسة على الاستضافة بفارق صوت واحد؛ وبصراحة أقرب للوقاحة من سيب بلاتر رئيس الفيفا السابق عندما قال “أستراليا لن تستطيع منافسة المتقدمين بطلبات الاستضافة، وذلك لا يعود إلى فارق التوقيت فيها والمنطقة الزمنية، فنحن بحاجة للمال في السنوات القادمة، وأستراليا لن تكون قادرة على القيام بذلك”.

هكذا، وبكل بساطة، وجدت ميرسيادس بلادها خارج السباق حتى قبل أن يبدأ، وعندما اعترضت وهدّدت بفضح التفاصيل كلها، وجدت نفسها خارج الاتحاد الأسترالي لكرة القدم بعد 10 أشهر من اختيار قطر لتنظيم مونديال 2022.

مراحل العملية السرية

الكرة تعيش معها منذ الطفولة. وبعكس بقية محبي هذه الرياضة، فإن ميرسيادس تقول “حظيت بفرصة دخول تجربة مثيرة مع الفيفا

الكرة تعيش معها منذ الطفولة. وبعكس بقية محبي هذه الرياضة، فإن ميرسيادس تقول “حظيت بفرصة دخول تجربة مثيرة مع الفيفا

قررت ميرسيادس إماطة اللثام عما يجري في الفيفا، وانطلقت مغامرتها منذ العام 2010 رغم التنمّر والتشويه والتهديدات التي وجهت لها ولأسرتها، ولكن كلمات السيناتور الأميركي ريتشارد بلومنتال حين طُلب منه، ذات مرة، مقارنة الفيفا مع المافيا، فرد قائلا “المقارنة مهينة للمافيا”، جعلتها تستمر حتى أتمت كتابها المثير للجدل “مهما كلف الأمر”.

 

وبهذه الكلمات “إلى مُحبي كرة القدم الحقيقيين حول العالم، أولئك الذين يُحبون اللعبة ويؤمنون باللعب النظيف في كل شيء” بدأت ميرسيادس كتابها الذي أنعش من جديد عاصفة الجدل حول منح قطر حق استضافة نهائيات كأس العالم 2022.

ويكشف عمل ميرسيادس عن رشوة مقدمة من “بي إن سبورتس” القطرية، تمت بدفع 100 مليون دولار للفيفا في حال حصولها على نهائيات 2022. وهي تؤكد أن بلاتر علم مسبقا بشأن فوز قطر وخسارة الولايات المتحدة، حتى إنه اتصل شخصيا برئيس الولايات المتحدة حينها باراك أوباما، ليخبره بهذه الخسارة، قبل التصويت، وذلك بعدما أخبره رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم السابق ميشيل بلاتيني بأنه ومجموعة من اللجنة التنفيذية التي تضم 22 عضوا يدعمون قطر. بينما يفضح الكتاب أن الألماني فرانس بيكنباور قدم تأييده لأستراليا بعد حصوله على مبلغ مالي، مما تسبب بتضارب ضخم في المصالح، نظرا لكونه ضمن أعضاء اللجنة التنفيذية.

حسب وثائق ميرسيادس، فإن بلاتر حاول أن يرمي بثقل الفضيحة على كاهل بلاتيني، ولم يستطع إنكار أنه كان قد عقد صفقتين مع قطر جرت الأولى عام 2010 في الدوحة، والثانية في مكتبه في زيوريخ عام 2011 يضمن فيها عدم ترشح القطري محمد بن همام بمواجهته في انتخابات رئاسة الفيفا عام 2011. تلك الصفقة القطرية تمت بمشاركة وعلم الأمين العام للفيفا حينها جيروم فالكه الذي استبعد بعدها من كرة القدم لمدة تسع سنوات.

ميرسيادس تقول إنها حصلت على معلومات تؤكد أن لقاء سرياً جمع أمير قطر  السابق ببلاتر، حيث قال له الأمير وقتها صراحة "كم يتوجب عليّ أن أدفع لشراء كأس العالم؟"، فأجاب بلاتر "هل تعني تقديم رشوة؟"، فرد الأمير "لا. أريد امتلاك الأمر اللعين بالكامل"

ميرسيادس تقول إنها حصلت على معلومات تؤكد أن لقاء سرياً جمع أمير قطر  السابق ببلاتر، حيث قال له الأمير وقتها صراحة "كم يتوجب عليّ أن أدفع لشراء كأس العالم؟"، فأجاب بلاتر "هل تعني تقديم رشوة؟"، فرد الأمير "لا. أريد امتلاك الأمر اللعين بالكامل"

تسرد ميرسيادس تفاصيل مثيرة أخرى، مثل اتفاقية الغاز الغامضة التي وقّعت بين قطر وتايلاند لضمان موقف الأخيرة، بالإضافة إلى الاجتماع السري الذي نسقه بن همام في أكتوبر 2009 بين أمير قطر وعضو اللجنة التنفيذية بالفيفا بكنباور، بحضور مساعده فيدور رادمان. وكان معروفا أن بكنباور سيدعم أستراليا، إلا أن ذلك الاجتماع الذي افتضح أمره بعد أعوام، إنما عُقد ليتمكن الأمير من استمالة عضو الفيفا للتصويت لصالح قطر.

متورطون كبار

تحقيقات ميرسيادس تبرهن، أيضا، على أن “مسؤولا قطريا سابقا قاد نقاشا في رواندا، بحضور القطري حسن الزويدي وثلاثة أعضاء أفارقة في اللجنة التنفيذية، هم رئيس الاتحاد عيسى حياتو عن الكاميرون، وجاك أنوما عن ساحل العاج، وآموس أدامو عن نيجيريا. في ذلك الاجتماع، عُرضت على أعضاء الفيفا رشوة تتراوح ما بين نصف مليون دولارا ومليون ونصف دولار أميركي مقابل صوت كل منهم”.

بدأت المفاوضات في أكتوبر 2010، وتضمنت تعهدا بدفع مكافأة مالية قطرية ضخمة للفيفا حال فوز قطر بتنظيم كأس العالم 2022. وتقول ميرسيادس إنها حصلت على معلومات تؤكد أن لقاء حدث بين أمير قطر وبلاتر في زيوريخ، حيث قال له الأمير وقتها صراحة “كم يتوجب عليّ أن أدفعه لشراء كأس العالم؟”، وأجاب بلاتر “هل تعني تقديم رشوة؟”، فأجاب الأمير “لا. أريد امتلاك الأمر اللعين بالكامل”.

 

ولم يوفّر بلاتر جهدا لإبعاد التهم عنه وإلصاقها ببلاتيني، بعد أن أصبح الاثنان مطرودين خارج أسوار الفيفا. فقد أعلن في نوفمبر الماضي أن رئيس فرنسا الأسبق نيكولا ساركوزي كان قد مارس الكثير من الضغوط بهدف فوز قطر بحق تنظيم كأس العالم 2022، متابعا أن ساركوزي ومواطنه بلاتيني هما من لعبا دورا كبيرا في حصول قطر على حق استضافة البطولة الأكبر في تاريخ كرة القدم.

كثيرة هي المواقف المثيرة للجدل التي كشفتها ميرسيادس، ومنها أن شبكة القنوات الرياضية القطرية “الجزيرة الرياضية” سابقا، وبمسماها الحالي  “بي إن سبورت” دفعت بالفعل مبالغ مالية كبيرة إلى بلاتر، تحت بند مساهمات إنتاج، ولكن ذهبت كل هذه الأموال إلى حساب رجل الأعمال السويسري الموقوف حاليا عن ممارسة أي مهنة لها علاقة بكرة القدم.

ميرسيادس وما وراء الجدران

السيناتور الأميركي ريتشارد بلومنتال تعتبره ميرسيادس قدوة لها، حين طلبوا منه مقارنة الفيفا مع المافيا فردّ قائلا “المقارنة مهينة للمافيا”.

السيناتور الأميركي ريتشارد بلومنتال تعتبره ميرسيادس قدوة لها، حين طلبوا منه مقارنة الفيفا مع المافيا فردّ قائلا "المقارنة مهينة للمافيا"

تولى مايكل غارسيا المحامي الأميركي والمحقق الفيدرالي السابق رئاسة غرفة التحقيقات في لجنة الأخلاقيات التابعة للفيفا، وأصدر تقريره الشهير والذي اضطر الفيفا لنشره بعد الضجة التي أثارتها التسريبات القليلة منه. عن تقرير غارسيا تقول ميرسيادس في محاضرة لها ألقتها في مبنى البرلمان الأوروبي في ببروكسل إن “هناك مدرستين للتفكير المنهجي في ما أنجزه غارسيا خلال جهود تحقيق استمرت 21 شهرا؛ الأولى من خلال القوة الكبيرة والمؤثرة للقيام بهذا العمل الجبار. والثانية أن التقرير تمت كتابته كما يحلو للفيفا، ولكن غارسيا أقنع الجميع بالاحتمال الأول إذ أثبت أن الأزمة التي يمر بها الفيفا لم تنته بالإقالات والإيقاف عن العمل التي طالت كبار قيادات الفيفا، بل بأسلوب العمل في الفيفا منذ أكثر من 40 عاما والصفقات المشبوهة التي تم تمريرها بهدوء وبلا صخب”.

ويؤكد تقرير غارسيا أن جدران قصر الإليزيه في باريس احتضنت في نوفمبر 2010 لقاء بين كل من ابن امير قطر “السابق”، وبلاتيني والرئيس ساركوزي ومالك نادي باريس سان جيرمان، وناقش الاجتماع احتمال شراء قطر لنادي باريس سان جيرمان بسبب المصاعب المالية التي كان يعاني منها النادي الباريسي العريق، فضلا عن إنشاء قناة رياضية لمنافسة قناة فرنسية أراد ساركوزي أن يضعفها. وقد نفّذت قطر ما تم في هذا الاجتماع في سعيها لشراء الموقف الفرنسي وبالتالي موقف بلاتيني والأصوات الأوروبية في التصويت على استضافة المونديال، فتم، بالفعل، شراء نادي باريس سان جيرمان بخمسين مليون يورو، وأُنشئت قناة “بي إن سبورت” التي بدأت بضخ 150 مليون يورو في الدوري الفرنسي كل موسم.

ويظهر التقرير المؤلف من 430 صفحة إدانة بالغة لقطر، في ملف تنظيم نهائيات كأس العالم 2022. وقد أمضى غارسيا نحو 18 شهرا للتحقيق في تهم الفساد والرشوة المتعلق بملفي قطر وروسيا، ثم استقال من منصبه، بعد رفض الاستئناف الذي قدمه بشأن النسخة التي نشرت من تقريره والمكونة من 42 صفحة فقط مقتطفة من تقريره الكامل، الذي تضمن إدانة تامة لقطر.

 

وتتواصل تداعيات الملف الذي فجرته ميرسيادس، رغم ما تزعمه قطر من أنها مطمئنة إلى تنظيمها للمونديال في توقيته دون منغصات. آخر تلك الصعوبات التي باتت تصل أخبارها يوميا إلى الدوحة، اقتراح الفيفا زيادة عدد المنتخبات المشاركة في البطولة من 32 إلى 48 منتخبا. وهو ما يتجاوز إمكانات قطر، وما يفرض عليها مشاركة دولة أخرى في التنظيم.

إيران شريك في التنظيم

واقعة تقديم رشوة قطرية بقيمة 100 مليون دولار للفيفا في حال فوز الدوحة بالمونديال، تثبتها ميرسيادس بالأدلة القاطعة، مؤكدة أن بلاتر سرب ذلك لأوباما قبل التصويت

واقعة تقديم رشوة قطرية بقيمة 100 مليون دولار للفيفا في حال فوز الدوحة بالمونديال، تثبتها ميرسيادس بالأدلة القاطعة، مؤكدة أن بلاتر سرب ذلك لأوباما قبل التصويت

وقد رجحت تسريبات أن إيران هي المرشح الأوفر حظا لمشاركة قطر في تنظيم المونديال في ظل علاقاتها المتردية مع محيطها، مؤكدة أن طهران عرضت بالفعل استضافة فرق وتنظيم مباريات خلال كأس العالم 2022. وقال وزير الشباب والرياضة الإيراني مسعود سلطاني فر، علانية، إن بلاده مستعدة لمساعدة قطر في تنظيم المباريات، وأضاف “يمكننا أيضا توفير أماكن التدريب قبل نهائيات كأس العالم، والتي ستكون لها ميزة وجود مناخ مماثل لمناخ قطر”.

وبحسب وكالة أنباء فارس الإيرانية، أعلن الوزير الإيراني عن موافقة بلاده على استغلال قطر لجزيرة كيش في بطولة كأس العالم، وذلك خلال لقاء جمعه مع نظيره القطري صالح الغانم بالعاصمة الأذربيجانية باكو في ربيع العام الحالي. وقد بدأت إيران محادثات جادة مع قطر بشأن المشاركة في تحمل بعض مسؤوليات استضافة قطر لمونديال كأس العالم 2022. وهي توفر في الوقت الحالي موارد غذائية لقطر بعد المقاطعة التي طبقتها دول الجوار عليها، بسبب تعنتها في الاستمرار بدعم الإسلاميين وتمويل الإرهاب وزعزعة استقرار دول الخليج.

وقد علق جياني إنفانتينو رئيس الفيفا الحالي على ذلك بالقول “أنا شخصيا، سأكون سعيدا جدا إذا أمكن مشاركة بعض المباريات مع بعض بلدان المنطقة”. ما يشي بأن الأمر مطروح للنقاش من قبل قطر مع الفيفا.

ورغم كل ما عانته ميرسيادس بسبب جرأتها وشجاعة استقصاءاتها، فإنها لا تبدو نادمة، بل تؤكد أن كتابها “يكشف بعض الأسرار المظلمة خلف أسوار الفيفا، وأنه معركة من أجل الحقيقة”. وتضيف “لقد كانت مهمة شاقة ولكنني قمت بها عن قناعة كاملة لسببين؛ الأول البحث عن الحقيقة والثاني التشجيع الحثيث على الاستمرار في العمل الذي تلقيته من الصحافي الاستقصائي الشهير أندرو جيننغز، الرجل الأبرز في مجال فضح ممارسات الفساد والرشوى في الفيفا”.

وكي تواصل ميرسيادس مشوارها في كشف كواليس الفيفا، ساهمت مع النائب البريطاني داميان كولينز رئيس لجنة الثقافة والإعلام والرياضة في البرلمان، وجيمي فولر مالك إحدى شركات الملابس الرياضية، في تأسيس “الفيفا الجديد الآن” وهي مجموعة إصلاحية تهدف إلى إحداث تغيير في كرة القدم العالمية.

أخيرا تلخص بونيتا ميرسيادس تحقيقاتها الكبيرة، والتي استغرقت سنوات، بالقول إنها “لا تقدّم كل الإجابات، لكنها تضع الكثير من الأحداث الغامضة في السياق، إنها تسلّط الضوء على الكيفية التي تُدار بها كرة القدم من أوصياء أفقدوها شخصيتها المتفردة، وأنا أعتقد أن أي دليل يظهر بشأن أي دولة انتهكت قواعد تقديم ملفات الاستضافة، ومن بينها قطر، يجب أن تفقد هذه الدولة الحق في استضافة البطولة