08:40 2021/01/11
10:47 2020/12/11
06:15 2020/06/25
صنعاء.. من عاصمة للروح إلى مدينة للخرافة!!
07:48 2018/10/20
مع مطلع الألفية كانت صنعاء قد بدأت تتحول إلى قبلة سياسية وثقافية تحتضن المنتديات واللقاءات السياسية والثقافية الإقليمية والدولية.
محلياً، كانت صنعاء -أيضاً- تفتح ذراعيها بشكل أكبر لكافة أبناء محافظات اليمن وتستقبلهم بصدر رحب، بحيث أدى هذا الخليط المتنوع لأبناء المحافظات المختلفة والذين تتنوع مهنهم ما بين أطباء ومهندسين ومعلمين وإعلاميين وأساتذة جامعات ورجال أعمال وموظفين عاديين وعمال في مختلف المهن، وبدأت حرية التعبير وإصدار الصحف اليومية يتزايد في العاصمة، وشهدت صنعاء ومن خلفها المدن اليمنية توسعاً في حرية الإعلام لناحية الكم والكيف صحفاً ومطبوعات وصحافة اليكترونية وصولاً إلى الإذاعات والقنوات التلفازية التي ظهرت مع نهاية العقد الأول من الألفية.
الآن من يزُر صنعاء لن يجدها سوى عاصمة تطرد أبناء جلدتها وتهجرهم بأشكال مختلفة إما قسراً خوفاً من الوقوع في معتقلات المليشيات الحوثية، أو هرباً من عدم القدرة على مواجهة متطلبات العيش والحياة بفعل الحرب وانقطاع المرتبات وسيطرة المليشيات على كل مؤسسات الدولة ونهبها ثم السيطرة عليها وحوثنتها بعناصر موالية للمليشيات، وليس انتهاءً بغياب كل شيء يمكن أن يكون مشجعاً للبقاء في عاصمة لم تعد تضمن لأحد حق الحياة معارضاً لحاكمها إلا وهو في المعتقل.
الأخطر من كل ذلك أن صنعاء، وهي حاضرة اليمن ووجهها المشرق، باتت اليوم عاصمة للخرافة، ومدينة تمتلئ بصرخات الموت، وشعارات المذهبية والطائفية والعنصرية، وتتقبل عودة ثقافة الكهنوت والإمامة إليها.
كان المواطن في العاصمة صنعاء، بغض النظر عن مهنته أو مستواه المادي، يخرج صباحاً في العاصمة ليجد الباعة المتجولين يلوحون بأسماء الصحف اليومية والأسبوعية والمجلات الشهرية التي تتضمن كل الاختلافات والتنوعات والتباينات السياسية، ويفتح شاشة تلفونه أو لابتوبه ليتصفح عشرات ومئات المواقع الإخبارية، ويعود إلى منزله ليتابع كل القنوات المحلية المتعددة الاتجاهات، لكن من يعِش في صنعاء اليوم لا يمكنه إلا أن يصحو على مطبوعة واحدة هي صحيفة الثورة الرسمية التي يعلو صفحتها الأولى زعيم المليشيات عبدالملك الحوثي وما يلوكه من خطابات طائفية ومذهبية، وبجانبها صحيفة المسيرة الناطقة باسم المليشيات ولا شيء غير هذا.
يلجأ المواطن أو المتابع إلى الانترنت لمطالعة ما تنشره المواقع فيجد أن مليشيات الحوثي تحجب كل المواقع التي لا تتفق معها، محلية كانت أو عربية أو دولية، ولم يعد ثمة سوى موقعي التواصل الاجتماعي، الفيس بوك وتويتر، اللذين أيضاً تتعمد المليشيات أحياناً إغلاقهما وحجبهما بطرق وأساليب متعددة.
تلتفت يمنياً ويساراً فتشاهد شوارعَ مليئة بشعارات تمجيد ثقافة الموت وتقديس مدعي الانتساب لأسرة النبي، والحديث عن ولاية علي بن ابي طالب، وعن القرآن الناطق، وقرين القرآن، وكل مفردات التخلف والماضوية التي جاءت بها الحوثية كحركة ومليشيات وتحاول فرضها على الناس بقوة السلاح.
قبل سيطرة مليشيات الحوثي على العاصمة كانت صنعاء (بالحراك السياسي والإعلامي والثقافي والفكري والاجتماعي والمدني) تنتقد بقوة سلبيات الماضي القريب بغية صنع مستقبل أفضل، وبعد سيطرة المليشيات بات مستقبل صنعاء محكوماً بثقافة ماضٍ غابر يمتد ل14 قرناً بصراعات وخلافات شخوصه.
هل هناك خرافة أكبر من أن تشاهد جمعاً من حملة شهادات الدكتوراه الذين يؤدون مهنة المعلم في الجامعات يضطرون بعضهم برغبة وبعضهم خوفاً في قاعة ليستمعوا لمشرف من مليشيات الحوثي يحدثهم عن عهد علي بن ابي طالب وعن مفاهم المؤسسية والإدارة بناءً على رسالة مالك بن الاشتر، وهل هناك خرافة أكبر من مشاهد دعاة الثقافة وحاملي الأفكار اليسارية والماركسية وهم ينادون بالإيمان بولاية علي، ويمجدون الحسين، ويصفون عبدالملك الحوثي بعلم الهدى، ويسمون المتمرد الصريع حسين الحوثي بالقرآن الناطق.
اثمة خرافة من أن تشاهد كل أولئك الناس الذين كانوا يخرجون في مظاهرات ضد قرارات الحكومات برفع الدعم عن أسعار المشتقات النفطية باتوا اليوم يطوبرون لأيام وليالٍ أمام المحطات للحصول على أسطوانة بترول أو ديزل بسعار يفوق حتى السعر الذي خرجوا مؤيدين للحوثي من أجله ثلاثة أضعاف وهم مبتسمون وبعضهم يردد شعار (هيهات منا الذلة)، وآخر يصدق أن أمريكا وإسرائيل هي من تقف وراء انهيار أسعار قيمة الريال وتزايد الأسعار وانقطاع مرتبات الموظفين ولا يكلف نفسه حتى مجرد مناقشة مسؤولية سلطة المليشيات عن أي شيء.
صحيح أن صنعاء كمدينة لا تزال تحضن سكاناً من مختلف مناطق ومدن اليمن، لكن الصحيح أن هذا التنوع بات محكوماً بلون واحد هو لون المليشيات الحوثية، ولم يعد بمقدور أحد من سكان العاصمة أن يجاهر بمخالفته أو انتقاده لممارسات المليشيات وعبثها وفسادها وما تمارسه من انتهاكات بحق المجتمع والناس في كل مناحي الحياة بشكل يجعل صنعاء تتحول نحو مدينة تحكمها الخرافة الحوثية.
صنعاء باختصار.. تعيش صراعاً مع الخرافة وتعيش حرباً مع عقلية مجرم صعدة عبدالملك الحوثي ومليشياته التي تحاول أن تسرق من صنعاء ميزتها كقبلة ومدينة حاضنة لكل اليمن واليمنيين كما كانت خلال نصف قرن ويزيد على الأقل، وتحولها إلى ثكنة مليشيات تقتل كل من يقول لها لا بتهم الداعشية والنفاق والخيانة والعمالة والارتزاق وغيرها من التهم الجاهزة التي لا أحد يجيد صنعها كمليشيات الحوثي.
صنعاء تحت سيطرة المليشيات الحوثية تعيش ذات المحنة حين وصفها البردوني ذات يوم بـ(مليحة عاشقاها السل والجرب)، فهل ستكون قادرة على مقاومة ذلك والولادة من جديد كما تنبأ البردوني (وفي أسى مقلتيها يغتلي يمن ثان كحلم الصبا ينأى ويقترب)، ومن سينتصر في النهاية صنعاء عاصمة الروح، كما وصفها الشاعر المقالح، أم صنعاء الخرافة، كما يريدها المليشاوي عبدالملك الحوثي وزبانيته؟!
سننتظر النهاية وسيظل اليمنيون يرددون جميعاً: لابد من صنعاء وإن طال السفر!