تفاصيل 6 أكتوبر

12:56 2018/10/11

خرجت من البيت في الساعة الثامنة والربع صباحا، بعد اتفاق مسبق بأن التجمع لـ #ثورة_الجياع سيكون في الثامنة والنصف في حرم جامعة صنعاء، وبعدها نتحرك إلى ميدان التحرير في التاسعة، وهدفنا إيصال أصواتنا للعالم بأننا نعاني من الجوع، لم تكن الانتفاضة ضد أي حزب أو أي جماعة، بل كانت ضد ارتفاع الأسعار والغلاء في البلاد..

عند وصولي للجامعة كان حرمها ممتئلا بالحوثيين، مدنيين مسلحين بعِصي وبنادق، وعساكر باللبس العسكري، أطقم وسيارات تحمل مكرفونات كبيرة تنشد زواملهم وصرختهم،

وبمجرد دخولي من باب الجامعة استقبلني أحدهم بجملة "عتقع حرب اليوم" بوجه يملؤه السخرية

هذا المتخلف لم يكن يعلم حينها إن كنت طالبة أم متظاهرة

أكملت طريقي بعد أن أعطيته تلك النظرة التي تحمل معنى "أعلى ما في خيلك اركبه".

.. جلست على إحدى الكراسي أتأمل خوف الحوثيين وأشعر بالفخر، قطعت تأملي امرأة اظنها في منتصف الأربعينات، تتكلم بهمجية وقالت لي "اسكه افسحي كضاك" بنبرة صوت حادة لولا أنها تكبرني بمراحل وإلا...!

من المفترض أن هذه المرأة زينبية متنكرة ولكن قلة أدبها أفشلت خطتها، وفور سماعي لطريقة كلامها أدركت مباشرة فصيلتها

بدأت تسأل لماذا خرجنا وتحاول إقناعنا أنا ومن كانت بجانبي بأن نعدل عن قرارنا ونعود للبيت وأن هذه ما هي إلا مؤامرة أكبر من أن نستطيع استيعابها.

كان الهدف من الاستجواب والنقاش أن تعرف حقيقة ما إن كنا متظاهرات أم لا، وفي منتصف حديثنا أنقذتني منهم رحاب الاغبري عندما أتت لمناداتي للذهاب معها، فقمت معها وكنا نتمشى ونتبادل الأحاديث.

لم يكن منا لحظتها من رفع يافطة أو هتف بشعار، كنا مجموعة فتيات في الحرم الجامعي فقط، هذا كان توصيفنا.

وبينما كنت أنا ورحاب ندور في أرجاء الحرم انضمت إلينا وئام مكي وأثناء سيرنا، فجأة وبلا مقدمات؛ هجم علينا مجموعة من الزينبيات عددهن يفوق الـ ٥ ، محصنات بعصي وصواعق كهربائية، ضُربت أنا حتى سقطت أرضاً، دافعتُ عن نفسي باستخدام أرجُلي وأسقطتُ إحداهن معي، ولكني حين سمعت صوت الصاعق الكهربائي أدركت أن دفاعي ليس مجديا! فتوقفت وذهبت معهن، صعدنا لباص من الحجم المتوسط.. كان عددنا تقريباً 9 ، وكان منا فتاة لم تكن مع المظاهرة أساسا بل كانت طالبة في طريقها إلى كليتها، وأظنكم سمعتم صوتها في البث المباشر لرحاب الاغبري.

كان سائق الباص يلف بنا من بداية الجامعة لآخرها وعندما سألناه عن وجهتنا رد بانه لم يتلق الاوامر بعد، استغلت احدانا توهان السائق وفتحت الباب والباص يتحرك قفزت منه ولحقناها الواحدة تلو الاخرى.. هربنا لاماكن مختلفة منا من استطاعت الهرب ومنا من ارجعوها للباص بالضرب والتهديد بالبنادق من الرجال والصواعق الكهربائية من النساء.

وفي المرة الثانية شددوا الحراسة علينا وصعدوا معنا على متن الباص ٤ زينبيات بصواعق وعصي، واثنين من العساكر مسلحين، لم يكن مسموحا لاي منا بالتحدث..

وصلنا إلى مكان لم نكن نعلم ما هو وأين هو به العديد من المكاتب حوش كبير ومليئ بالحوثيين تم مصادرة هواتفنا النقالة، وادخلونا الى احد المكاتب وعندما تساءلنا عن مصيرنا أجابونا بانهم سيأخذون اسماءنا الرباعية فقط وارقام اهالينا وسيتم التواصل باولياء الامور والافراج عنا...

انتظرنا لساعات ولم يتم ما وعدونا به، وعندما نبدأ بالتساؤل عن مصيرنا كان منهم من يرد علينا باحترام، ومنهم من يبدأ باللعن والاهانة والتهديد بالكهرباء.

كان هناك فتيات لم تستطع الزينبيات الوصول لهواتفهن، استخدمناهم في تطمين اهالينا وبالصدفة سمعنا الحوثيين يذكروا اسم المكان الذي كنا فيه وكان "المنطقة الغربية" في الزراعة، هاتفنا اقاربنا واخبرناهم باسم المنطقة، عندما احس الزينبيات ان هناك تسريبا للاخبار عند رؤيتهم لاولياء الامور بباب المنطقة شددوا التفتيش وصادروا بقية الهواتف..

 

كان عددنا ما يقارب ال ٦٥ فتاة، وكنا موزعين بين المكاتب، ومنا عدد لابأس به من لم يكن مع المظاهرة وتم اختطافهن من الشارع او من كليات الجامعة.

في الظهر قدموا لنا وجبة الغداء لكن الكل كان يصرخ باننا لانريد اكلا.. نريد التواصل مع اهالينا، وخرجت اطباق الاكل كما دخلت.

بعدها بدأوا مناداتنا بالاسم للذهاب للتحقيق، وعند التحقيق، اذا كانت اجاباتنا تنص على اعتداء من الحوثيين او اهانات لايتم تسجيلها في المحضر او تنمق عند كتابتها.

بعد انتهاء التحقيق يُعيدونا الى اماكننا واذا ارتفعت اصواتنا منادين بالافراج عنا او بالتواصل مع اقاربنا يتم تهديدنا بالعصي والصواعق..

وفي لحظات صمت طالت في المكتب الذي كنا فيه، قررت إحداهن أن تردد النشيد الوطني فردنناه كلنا معها، وكانت ردة فعل الزينبيات ان دخلن يُهددنا ويشتمننا ويصرخن بان نهدأ.

الساعات كانت طويلة جدا فلم نكن نعلم ما لاخبار من الخارج ولا نستطيع طمأنة اهالينا، ولا نستطيع التحدث مع الذي بالداخل لنعلم مصيرنا..

طال الانتظار ولا خبر هُددنا من البعض انه سيتم احتجازنا ثلاثة ايام، واتُهمنا باننا عملاء، وسؤلنا عن الذي نجنيه من العدوان.

الساعة السادسة والنصف مساءً أُمرنا بأن نكتب تعهدات تنص على أننا لن نخرج في حكم الحوثي ثانيةً ولن نؤازر العدوان، وتم تهديدنا بأنه في حالة ما تكررت وجوهنا سيتم سجننا سجناً مؤبداً.

فرغنا من كتابة التعهدات.. قرابة الساعة السابعة استلمنا هواتفنا وتم الإفراج عنا

لا أخفيكم أنني شعرت بإحباط وعجز شديد عندما كنت بالحجز لكني خرجتُ مفعمة بالحياة والإرادة

ولن أرضى بالظلم شئتم أم أبيتم.

لن_ترى_الدنيا_على_ارضي_وصياً