Image

توقيت مريب وتصعيد خطير.. تصريحات الشامي تمهّد لحملة اعتقالات جديدة ضد الأصوات المستقلة في مناطق الحوثيين

تعيش مناطق سيطرة مليشيا الحوثي حالة من الترقب والقلق بعد التصريحات المثيرة للجدل التي أطلقها القيادي الحوثي أحمد مطهر الشامي، والتي زعم فيها أن عدداً من المؤثرين اليمنيين تلقوا دعماً مالياً من التحالف العربي لـ"التحريض ضد الجماعة" داخل مناطق نفوذها.

تصريحات الشامي، التي نشرها عبر منصات التواصل الاجتماعي وسرعان ما أعادت تداولها حسابات حوثية واسعة الانتشار، تضمنت اتهامات مباشرة لعدد من الناشطين والإعلاميين، ووصفتهم بأنهم "أدوات ناعمة" تعمل لحساب ما يسمونه بالعدوان، مستهدفة – بحسب تعبيره – "تماسك الجبهة الداخلية" للحوثيين.

لكن محللين في الشأن اليمني اعتبروا أن توقيت هذه التصريحات ليس بريئاً، بل يأتي في إطار محاولة استباقية لتبرير حملة جديدة من القمع والاعتقالات التي تستعد الجماعة لتنفيذها ضد من تبقى من الأصوات المستقلة والناقدة داخل مناطق سيطرتها.

ويرى مراقبون أن هذه التصريحات تأتي وسط تنامٍ في مؤشرات الغضب الشعبي نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية وتدهور الخدمات، إلى جانب اتساع رقعة التذمر حتى داخل القاعدة الاجتماعية للحوثيين أنفسهم، وهو ما دفع القيادة الحوثية إلى افتعال روايات جديدة تتهم كل ناقد بالخيانة أو بالارتباط بالخارج.

ويؤكد خبراء أن الشامي لم يكن يتحدث بصفة شخصية، بل يعكس توجهاً منظماً داخل قيادة الحوثي لتهيئة الرأي العام لأي إجراءات قمعية قادمة، في ظل خشية الجماعة من تصاعد النقد الداخلي وتراجع السيطرة الإعلامية على الخطاب العام.

مصادر حقوقية وإعلامية أفادت بأن المليشيا تستعد فعلاً لتنفيذ حملة ملاحقات جديدة تستهدف إعلاميين ومدونين وشخصيات عامة ممن عبّروا عن استيائهم من الفساد وسوء الإدارة، مشيرة إلى أن أجهزة الأمن التابعة للحوثيين بدأت بالفعل رصد ومتابعة حسابات مؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، تمهيداً لاعتقالهم أو إسكاتهم.

ويشير خبراء إعلام إلى أن الخطاب الحوثي تجاه النشطاء بات أكثر تشدداً منذ مطلع العام الجاري، مع تزايد التقارير عن حملات استدعاء واعتقال لصحفيين ومدونين انتقدوا الأداء الحكومي للجماعة أو تحدثوا عن تدهور الوضع المعيشي.

ويضيف هؤلاء أن هذه الممارسات تأتي ضمن استراتيجية الضغط النفسي والإعلامي التي تستخدمها المليشيا لتخويف الأصوات المستقلة، وخلق مناخ من الرقابة الذاتية والخوف داخل المجتمع، بما يضمن إسكات أي رأي مخالف.

وفي تعليق لأحد الباحثين في شؤون الجماعات المسلحة، أكد أن تصريحات الشامي تكشف حالة التوتر والارتباك داخل قيادة الحوثيين، التي باتت تدرك أن دائرة الغضب الشعبي تتسع حتى في مناطق نفوذها، وأن أصوات النقد لم تعد مقتصرة على خصومها السياسيين.

وقال الباحث إن الجماعة تستخدم روايات "العمالة للخارج" كذريعة لإسكات المعارضين والتغطية على أزماتها الاقتصادية والانتهاكات الحقوقية، مضيفاً أن هذا الأسلوب "يهدف إلى تحويل الأنظار عن الفشل في إدارة المناطق التي تسيطر عليها، وإلقاء اللوم على أطراف خارجية".

وتتزامن تصريحات الشامي مع تصاعد القلق الدولي بشأن تدهور أوضاع حرية التعبير في مناطق الحوثيين. إذ تؤكد منظمات حقوقية محلية ودولية أن الجماعة تمارس أوسع حملة قمع ضد الصحافة والإعلاميين في تاريخ اليمن الحديث، حيث ما يزال عشرات الصحفيين والناشطين رهن الاعتقال أو الإخفاء القسري، بينما يعيش آخرون تحت تهديد دائم أو يخضعون لقيود مشددة على نشاطهم.

ويرى محللون أن ربط الانتقادات الشعبية بالتحالف العربي، الذي أصبح شبه غائب وتوقف عن تنفيذ أي تصعيد ضد الحوثيين، ليس سوى محاولة لتبرير القمع الداخلي وإعادة إنتاج خطاب العداء الخارجي كوسيلة لتوحيد الصفوف حول قيادة تواجه عزلة متزايدة.

ويؤكد هؤلاء أن المرحلة المقبلة قد تشهد تضييقاً غير مسبوق على الحريات الإعلامية، بعد أن مهدت تصريحات الشامي الطريق لحملة تستهدف كل من يعبّر عن رأي مستقل، خاصة في ظل تزايد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على الحوثيين.

من جهتهم، حذر ناشطون يمنيون من أن استمرار الحوثيين في سياسة القمع وتكميم الأفواه لن يؤدي إلا إلى مزيد من الاحتقان والانفجار الداخلي، مشيرين إلى أن الرهان على إسكات الناس بالقوة "رهان خاسر"، لأن الأصوات الحرة – كما قال أحدهم – "قد تُسكت مؤقتاً، لكنها لا تموت".