إذاعة تعز.. صوت الثورة الذي أشعل فتيل الكفاح ضد الاستعمار البريطاني في جنوب الوطن
في مطلع ستينيات القرن الماضي، كانت إذاعة تعز شعلة أمل ونور في ظلام الاستعمار البريطاني.
وفق مصادر تاريخية، فقد انطلقت الإذاعة في يناير 1965، كجزء من مشروع إعلامي أوسع لدعم ثوار 14 أكتوبر 1963، وكانت تعز مركزًا حيويًا للتخطيط والتنسيق بين الثوار في الشمال والجنوب، حيث احتضنت قيادات من مختلف الفصائل الثورية.
في زمن لم تكن فيه الهواتف أو الإنترنت أو القنوات الفضائية، كانت الإذاعة هي الوسيلة الوحيدة لنقل الأخبار والتحفيز الوطني إلى القرى والجبال والوديان.
ومن أثيرها، بدأت البيانات الثورية والأناشيد الوطنية تتردد على مسامع الناس، تنقل لهم بطولات الثوار وتفضح ممارسات الاستعمار، وتزرع الحماسة في النفوس.
محمد علي الحاج، رئيس قسم الأخبار في إذاعة تعز، تحدث عن هذا الموضوع في وقت سابق لصحيفة الثورة الرسمية قائلاً: "كان دور إذاعة تعز في دعم الثورة يتمثل في تعبئة الجماهير من خلال نشر بلاغات الثوار، وفتح برنامج 'الجنوب الثائر' الذي كان يقدمه الزميل عبدالله محمد شمسان لتحفيز المقاتلين وتوعية الناس بمساوئ الاستعمار."
وأضاف: "رغم الإمكانيات المحدودة، كنا نعمل في ظروف صعبة، لكن الإيمان بالقضية كان دافعًا لنا للاستمرار."
جسر الشمال والجنوب
كانت إذاعة تعز بمثابة جسر يربط بين ثوار الشمال والجنوب، وتضمنت برامج تبث رسائل تحفز الناس على الانضمام للثورة.
برنامج 'الجنوب الثائر'
برنامج «الجنوب الثائر» كان من البرامج المركزية لإذاعة تعز في دعم ثورة 14 أكتوبر، وكان يُعد ويُقدَّم من قبل المذيعَين عبدالله محمد شمسان وزميله حسن العزي وفق صحيفة الثورة اليمنية.
كان البرنامج موجَّهًا للفدائيين والثوار، ويهدف إلى رفع المعنويات، التوعية بمخاطر الاستعمار، ونقل أخبار العمليات العسكرية والفدائية.
ومن مهامه أيضًا إجراء لقاءات ميدانية مع المناضلين في الجبهات؛ فقد ذهب إلى مواقع متعددة مع أسماء من الثوار مثل علي أحمد ناصر عنتر ومحمد أحمد البيشي وسجل لقاءات معهم.
نشر روح الثورة
على الرغم من الصعوبات التي واجهها البرنامج والإذاعة بشكل عام، حيث كان العمل يتم في البداية بإمكانيات محدودة جدًا: استوديو بسيط في دار الضيافة بتعز يستخدم غرفة للتسجيل وغرفة للإقامة، والأجهزة والمعدات قليلة، وعدد الأشرطة محدود،
ومع ذلك، أسهم البرنامج بشكل كبير في نشر روح الثورة في جنوب الوطن، وكان له تأثير كبير في تشجيع الكفاح وتوحيد الصفوف ضد الاستعمار البريطاني.
كان من أوائل البرامج التي وجهت خطابًا إذاعيًا مباشرًا للمتابعين في المحافظات الجنوبية، بما في ذلك الفدائيين، ليس بالشرح فحسب، وإنما بالمشاركة الميدانية — من خلال اللقاءات الميدانية وتوثيق الأحداث من قلبها.
وكانت رسائل البرنامج تصل إلى القرى النائية، وكان لها تأثير كبير في تحفيز الناس على المشاركة في الكفاح المسلح.
وبحسب مصادر تاريخية، بدأ البرنامج البث بساعتين يوميًا، وكان الإرسال يغطي أجزاء كبيرة من الوطن. وبفضل الجهود المتواصلة، تمكن القائمون على البرنامج من تمديد البث إلى أربع ساعات يوميًا. رغم قلة الإمكانيات، كان يتم العمل بروح الفريق الواحد وهدف واحد، وهو دعم الثورة وتحرير جنوب الوطن من الاستعمار البريطاني البغيض الذي جثم على البلاد لأكثر من قرن من الزمن.
إذاعة تعز لم تكن مجرد صوت، بل أداة توعية وتحريك شعور الكرامة والتحرر الوطني ضد الاستعمار البريطاني وأعوانه.
واجه العاملون في الإذاعة تهديدات من عملاء الاحتلال البريطاني، وتعرضوا لمحاولات التشويش على البث، لكنهم استمروا في تقديم البرامج رغم صعوبة الظروف.
وبلغ تأثير إذاعة تعز مداه حينما كانت الصحف في عدن مثل "الأيام" تنقل برامج الإذاعة وبياناتها، مما ساهم في رفع الوعي الوطني وتشجيع أبناء الجنوب على المشاركة في الثورة.
لاحقًا، دعمت إذاعة "صوت العرب" في القاهرة الجهود الإعلامية، فصارت برامج الإذاعة تصل من المحيط إلى الخليج، موحدة بين ثورتي سبتمبر وأكتوبر في وعي الشعب اليمني وفق المصادر.
إرث خالد
وقد وصف باحثون دور إذاعة تعز في تلك الفترة بأنه رمز للإعلام المقاوم، الذي استخدم الكلمة أداة للحرية والوعي، ومثال حي على أن الصوت يمكن أن يكون سلاحًا قويًا في مواجهة الاستعمار، قبل أن تتولى البنادق تحرير الأرض.
ومن ما صدر عن إذاعة تعز في تلك الفترة: "من أرض الإيمان والحكمة، من تعز الثورة، نحيي أبطال الجنوب.. فلتسقط الإمبراطورية، ولتحيا اليمن الحرّة."