Image

عامان على الإبادة الجماعية في غزة: “حشد” توثّق منظومة تحريض رسمية تحوّلت إلى أفعال ميدانية ممنهجة

في الذكرى الثانية لبدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أصدرت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد) تقريرًا حقوقيًا موسّعًا بعنوان “خطابات التحريض الإسرائيلي ودورها في تكريس الإبادة الجماعية في قطاع غزة”، أعدّته المحامية والباحثة ياسمين قاسم، يوثّق انتقال الخطاب التحريضي من التصريحات العلنية لمسؤولين سياسيين وعسكريين ودينيين وإعلاميين إسرائيليين إلى ممارسات ميدانية ممنهجة ترقى — وفق القانون الدولي — إلى جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وأوضح التقرير أن التحريض المباشر والعلني على القتل والتجويع والتهجير، الذي تصاعد منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لم يعد مجرّد “لغة سياسية متشددة”، بل أصبح جزءًا من بنية القرار السياسي والعسكري الإسرائيلي، انعكس في سلسلة أفعال مادية شملت القتل الجماعي، والهجمات العشوائية، وفرض ظروف معيشية مهلكة، واستهداف البنية التحتية المدنية، والتجويع والتعطيش، والتهجير القسري.

تحريض رسمي وإعلامي موثّق

يتتبّع التقرير عشرات التصريحات الصادرة عن مسؤولين في الحكومة والكنيست وقادة الجيش والحاخامات والإعلاميين الإسرائيليين، امتلأت بدعوات صريحة إلى “محو غزة”، و”إبادتها من الوجود”، و”قطع الإمدادات عنها حتى الموت”. ويؤكد أن هذه العبارات لم تبقَ حبيسة الخطاب، بل تحوّلت إلى سياسات تنفيذية شملت قصف الأحياء السكنية، وتدمير المستشفيات والمدارس، وقطع المياه والكهرباء والوقود، ومنع دخول المساعدات الإنسانية.

وترى “حشد” أن خطاب التحريض بحد ذاته يُعد جريمة قائمة بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948، ويشكّل أساسًا قانونيًا لتحميل المسؤولين الإسرائيليين مسؤولية جنائية شخصية عن الجرائم المرتكبة.

وقائع الإبادة الممنهجة

رصد التقرير سلسلة من الانتهاكات الجسيمة والمنظمة، أبرزها:

القتل الجماعي المتعمد لآلاف المدنيين، واستهداف عائلات بكاملها.

فرض ظروف معيشية قاتلة بقطع المياه والكهرباء والوقود وإغلاق المعابر.

تدمير القطاع الصحي وقتل الأطباء والمسعفين وانهيار المستشفيات.

استهداف المؤسسات التعليمية ودور العبادة والمراكز الإعلامية، في محاولة لمحو الهوية المجتمعية الفلسطينية.

التهجير القسري واسع النطاق واستهداف مراكز الإيواء التابعة للأونروا.

استخدام التجويع كسلاح حرب ومنع المساعدات الإنسانية.

الاعتقالات الجماعية والإخفاء القسري وممارسات التعذيب والمعاملة اللاإنسانية.

ويؤكد التقرير أن هذه الانتهاكات تمثل تنفيذًا فعليًا لجريمة الإبادة الجماعية، الرامية إلى تدمير الجماعة الفلسطينية كليًا أو جزئيًا من خلال القتل والتدمير الممنهج لمقومات الحياة.

“الإبادة الإعلامية” والتحريض الرقمي

خصص التقرير فصلًا لـ”الإبادة الإعلامية”، موضحًا أن المنصات الرقمية العبرية تحولت إلى أدوات تعبئة عبر نشر خطابات الكراهية والتحريض ضد الفلسطينيين، وتصويرهم كـ”أعداء وجوديين” و”كائنات غير بشرية”. كما أشار إلى تقصير المجتمع الدولي في ملاحقة هذا النوع من التحريض الذي أسهم في تهيئة المناخ الاجتماعي والنفسي لارتكاب الجرائم.

بيانات وأرقام صادمة

بحسب ما وثّقته “حشد”:

تجاوز عدد الشهداء 80 ألفًا، بينهم عشرات الآلاف من النساء والأطفال.

أصيب أكثر من 150 ألفًا، كثير منهم بإعاقات دائمة.

دُمّرت 85% من المساكن كليًا أو جزئيًا.

خرجت نحو 80% من المدارس والمستشفيات عن الخدمة.

بلغ عدد النازحين داخليًا نحو مليوني إنسان يعيشون في ظروف إنسانية كارثية.

وأكد التقرير أن محكمة العدل الدولية، في قرارها الصادر في 26 يناير 2024، وجدت أساسًا معقولًا لاعتبار ما تقوم به إسرائيل “إبادة جماعية قيد التنفيذ”، ما يضاعف التزام المجتمع الدولي بوقف الجريمة ومحاسبة مرتكبيها.

دعوات عاجلة ومطالب محددة

دعت “حشد” الدول الأطراف في اتفاقية منع الإبادة إلى الوفاء بالتزاماتها القانونية واتخاذ خطوات عاجلة لوقف الجرائم، بينها:

وقف فوري شامل للأعمال العدائية وحماية المستشفيات ومراكز الإيواء.

فتح المعابر دون قيد وتأمين تدفق المساعدات الإنسانية.

تحقيق دولي مستقل في التحريض العلني وأفعال الإبادة.

تعليق نقل الأسلحة التي تُستخدم في جرائم الحرب.

حماية الأونروا والوكالات الأممية واستعادة تمويلها.

برنامج تعافٍ مبكر لإعادة بناء الصحة العامة والمياه والتعليم والسكن.

تمكين عودة النازحين ورفض أي مشاريع “إحلال أو هجرة قسرية”.

مساءلة التحريض الرقمي وإلزام المنصات بسياسات شفافة لردع خطاب الكراهية.

واختتمت “حشد” تقريرها بالتأكيد على أن ما يجري في غزة هو إبادة جماعية مكتملة الأركان، ناتجة عن تحريض ممنهج تقوده الدولة الإسرائيلية وأجهزتها الرسمية، مشددة على أن المحاسبة ليست خيارًا سياسيًا بل واجب دولي وإنساني لحماية الضمير العالمي من التواطؤ والصمت.