اليمنيون يرون خطاب أحمد علي عبدالله صالح بداية لمرحلة جديدة في مسار اليمن
مثَّل الخطاب الذي ألقاه السفير أحمد علي عبدالله صالح، عشية الذكرى الثالثة والستين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر، حدثاً سياسياً وإعلامياً استثنائياً، هزّ أروقة المشهد اليمني وأعاد ترتيب أولويات النقاش العام، حتى طغى على بقية الفعاليات والأنشطة الاحتفالية داخل اليمن وخارجه. لقد تحوّل ذلك الخطاب، الذي وُجِّه إلى الشعب اليمني بكل أطيافه، وإلى الأشقاء في الإقليم والدول العربية، وإلى المجتمع الدولي، إلى محطة مفصلية لفتت الأنظار، وأشعلت موجة تفاعل غير مسبوقة في الأوساط السياسية والإعلامية والشعبية، فاتحةً الباب أمام مرحلة جديدة من التأمل في حاضر اليمن واستشراف مستقبله.
أبناء الشعب اليمني، في الداخل وفي بلدان المهجر، تلقوا الكلمة بترحيب كبير عبّر عنه حجم التداول على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث انعكس ذلك في مظاهر الابتهاج والفخر والاعتزاز. كثيرون رأوا في الخطاب نقطة تحول ومصدراً للتفاؤل بعد سنوات طويلة من الحرب والمعاناة، إذ أعاد إلى الأذهان القيم الكبرى لثورة سبتمبر والجمهورية اليمنية ومبادئ الدولة التي تعرضت للانقلاب والتشويه والتقويض على يد جماعة الحوثي.
المراقبون أجمعوا على أن التفاعل الشعبي غير المسبوق مع خطاب السفير أحمد علي عبدالله صالح لم يكن مجرد استقبال عاطفي، بل جاء نتيجة لمضامين الخطاب وما حمله من إشارات وطنية صادقة ومواقف مسؤولة ورؤى استراتيجية. فقد تميز الخطاب بوضوح رسالته الوطنية الجامعة، وبالتركيز على مشروع استعادة الدولة ومؤسساتها وعاصمتها المختطفة، والتأكيد على وحدة الصف الجمهوري لمواجهة الانقلاب واستعادة السيادة الوطنية.
الخطاب كان بمثابة الظهور الأول بالصوت والصورة لأحمد علي بعد رفع العقوبات الدولية التي فرضت عليه لأكثر من عشر سنوات. تلك العقوبات قيّدت تحركاته وحدّت من نشاطه السياسي والدبلوماسي، لكن ظهوره في هذه المناسبة الوطنية المفصلية حمل دلالات قوية على عودته إلى الساحة كلاعب رئيسي.
الخطاب، كما لاحظ المراقبون، كان على مستوى التوقعات والطموحات، بل تجاوزها لدى البعض لما حمله من نبرة واثقة، ومضامين تعكس إدراكاً عميقاً للتحديات التي يواجهها اليمنيون، وإصراراً على أن الخلاص من مليشيا الحوثي بات قريباً جدا.
الجملة التي أكد فيها السفير أحمد علي على أن "الخلاص قريب وقريب جداً" من عصابة الحوثي كانت بمثابة أبرز رسالة التقطها الجمهور، وتحولت إلى شعار متداول على نطاق واسع.
كاريزما وتجربة راسخة
الكاريزما التي يتمتع بها أحمد علي عبدالله صالح، إضافة إلى تاريخه في العمل العسكري والدبلوماسي والبرلماني، شكلت عنصراً أساسياً في التفاعل الإيجابي مع خطابه. فهو يحمل سجلاً وطنياً ناصعا، ومواقف مسؤولة تجلت من خلال مختلف الأزمات التي عصفت بالبلاد.
هذه السمات جعلت حتى بعض خصومه السياسيين يبدون احتراماً لشخصيته، ويعتبرونه وجهاً يمكن التعويل عليه في المرحلة القادمة.
الخطاب رسّخ هذه الصورة، وأوحى إلى جمهور واسع أن أحمد علي قد يكون الشخصية الأقدر على قيادة معركة التحرير والخلاص الوطني، بصفته قادراً على جمع مختلف القوى الوطنية في مشروع جامع ينهي مرحلة الانقلاب ويعيد الدولة.
بداية مرحلة جديدة
يرى محللون أن الخطاب لا يمثل مجرد رسالة عابرة في مناسبة وطنية، بل هو تدشين لمرحلة جديدة في مسار النضال الوطني. فهو يعكس تغيرات جوهرية في المشهد اليمني على المستويات الداخلية والإقليمية والدولية، كما يشير إلى أن معادلة القوة بدأت تتحول لصالح القوى الجمهورية والوطنية، وأن استعادة الدولة لم تعد مجرد أمنية بعيدة المنال بل أصبحت قريبة.
وفي مقابل هذا التفاعل الشعبي، ظهرت ردود فعل غاضبة من مليشيا الحوثي ووسائل إعلامها وناشطيها على شبكات التواصل. المراقبون اعتبروا هذه الردود الهجومية والشتائمية انعكاساً لحالة خوف وارتباك لدى الجماعة، خصوصاً وأن الخطاب خطف الأضواء وحاز على اهتمام الأصدقاء والخصوم على حد سواء.
مضمون ورسائل
الخطاب حمل في طياته رسائل داخلية وخارجية مهمة. داخلياً، أكد على التمسك بثوابت الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية، وعلى أن الشعب هو مصدر السلطة وصاحب القرار. وخارجياً، أرسل تطمينات إلى الأشقاء في المنطقة والمجتمع الدولي بأن اليمن القادم سيكون شريكاً فاعلاً في استقرار المنطقة والعالم، بعيداً عن التهديدات التي تفرضها جماعة الحوثي المدعومة من إيران.
الأهمية التي اكتسبها الخطاب لا تكمن فقط في كونه أول إطلالة علنية بعد سنوات من الغياب، بل في توقيته ومضامينه التي جاءت متزامنة مع ذكرى سبتمبر، بما تحمله من رمزية كبرى لدى اليمنيين، باعتبارها ثورة الحرية والخلاص من الحكم الإمامي.
يمكن القول إن خطاب أحمد علي عبدالله صالح لم يكن مجرد كلمة احتفالية بمناسبة وطنية، بل شكل نقطة انعطاف في المشهد اليمني. فقد أعاد الأمل إلى قطاعات واسعة من اليمنيين، ورسم ملامح مشروع وطني جامع يعيد الاعتبار للجمهورية والدولة، ويضع نهاية لسنوات الانقلاب والمعاناة.
وبينما يرى كثير من المراقبين أن الخطاب أسس لمرحلة جديدة وفارقة في تاريخ اليمن الحديث، فإن ردود الفعل عليه تكشف بوضوح أنه فتح الباب واسعاً أمام تحولات كبرى قادمة.
بالنسبة لمعظم أبناء اليمن، أصبح أحمد علي عبدالله صالح بمثابة رمز ومرآة تعكس طموحاتهم نحو مستقبل أكثر إشراقا واستقرارا، فهو يمثل حاضرا يشع بنظرة تفاؤل، ويعد بمثابة عنوان بارز ينذر ببزوغ يمن جديد ينبض بالأمل والإصرار على بناء وطن يستعيد عافيته ويُحلق في سماء التطوير والتنمية.