Image

26 سبتمبر بعيون اليمنيين .. ثورة بناء وتنمية ومنجزاتها لامست كل ربوع الوطن

تظل ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة حدثًا استثنائيًا ومفصليًا في حياة اليمنيين، فهي ليست مجرد تاريخ في الذاكرة الوطنية، بل محطة انطلقت منها مسيرة طويلة نحو الحرية والعدالة والتنمية. لقد استطاعت هذه الثورة أن تنقل اليمن من عصور الظلام والإمامة الكهنوتية إلى رحاب العصر الحديث، فاتحةً الباب أمام عهد جديد من المشاركة الوطنية وبناء الدولة.

اليوم، وبعد مرور أكثر من ستة عقود، ما زالت ثورة 26 سبتمبر تمثل مصدر إلهام للشعب اليمني في مواجهة التحديات الراهنة، وبالأخص المشروع الإمامي الجديد الذي تحاول جماعة الحوثي فرضه تحت عباءة مختلفة، لكنه لا يختلف في جوهره عن حكم الأئمة الذين أزاحتهم ثورة سبتمبر قبل 63 عامًا.

من ظلمات الإمامة إلى فجر الجمهورية

قبل سبتمبر 1962 كان اليمن غارقًا في عزلة قاتلة، تحت سلطة إمامية استبدادية أغلقت أبواب العلم والتنمية، وفرضت على الناس الجهل والفقر والحرمان. لم يكن التعليم متاحًا إلا في نطاق ضيق يقتصر على حلقات دينية بدائية، ولم يعرف الشعب المستشفيات ولا شبكات الطرق ولا حتى أبسط الخدمات. كانت سلطة الإمام تستمد قوتها من تجهيل المجتمع، وتحكمه بعقلية تضع اليمنيين في مرتبة "رعايا" لا "مواطنين".

لكن إرادة الأحرار لم تستسلم. فقد تشكلت منذ أربعينيات القرن الماضي حركة وطنية ثورية نادت بإنهاء الحكم الإمامي، واستلهمت أحداثًا عربية كبرى أبرزها ثورة مصر 1952. ومع تراكم الوعي الشعبي وتنامي الغضب، جاءت لحظة الانفجار الكبرى فجر 26 سبتمبر 1962، عندما أُعلن قيام الجمهورية العربية اليمنية وإسقاط نظام الإمامة، لتبدأ رحلة بناء وطن جديد.

أهداف الثورة: بوصلة اليمنيين

أعلنت ثورة 26 سبتمبر ستة أهداف خالدة، صارت بمثابة الدستور المعنوي للشعب: التحرر من الاستبداد والوصاية الخارجية، بناء جيش وطني قوي، رفع مستوى الشعب اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا، تحقيق العدالة والمساواة، إقامة حكم ديمقراطي، وبناء دولة حديثة قائمة على المؤسسات.

ورغم التحديات والحروب التي أعقبت الثورة، بقيت هذه الأهداف تمثل تطلعات كل جيل يمني. فما تحقق من منجزات في التعليم والصحة والبنية التحتية والحياة السياسية كان ثمرة لهذه المبادئ، وما لم يتحقق بعد ما يزال دافعًا للنضال.

سبتمبر والنضال المستمر

لا يمكن قراءة ثورة سبتمبر بمعزل عن حاضر اليمن. فاليوم، يجد اليمنيون أنفسهم في مواجهة مشروع إمامي جديد تمثله جماعة الحوثي المدعومة من إيران. هذه الجماعة، التي انقلبت على الدولة عام 2014، حاولت طمس معالم ثورة سبتمبر من المناهج الدراسية ومن وعي الأجيال، لكنها فشلت. بل على العكس، زادت ممارساتها القمعية تعلق اليمنيين بالثورة ورموزها، وأعادت إحياء الروح الجمهورية في قلوبهم.

إن احتفال الشعب بثورة سبتمبر في ظل القمع الحوثي يثبت أن الثورة ليست حدثًا مضى، بل فكرة متجددة حية في وجدان الناس.

الثورة والتنمية: الإنسان أولاً

من أبرز ما يميز ثورة سبتمبر أنها لم تكن مجرد ثورة سياسية، بل ثورة تنموية بالدرجة الأولى. فقد جعلت من الإنسان اليمني محور العملية التنموية، إدراكًا أن بناء المواطن المتعلم والصحيح هو السبيل لبناء دولة قوية.

ففي المجال التعليمي، تحولت البلاد من بضع مدارس معدودة إلى آلاف المدارس والجامعات والمعاهد المنتشرة في كل المحافظات. انخفضت نسبة الأمية بشكل كبير، وأصبح التعليم متاحًا للجميع، رجالًا ونساءً، بعد أن كان حكرًا على القلة في زمن الإمامة.

وفي قطاع الصحة، شُيدت المستشفيات العامة والمراكز الصحية حتى في القرى النائية، وتم تدريب الكوادر الطبية، وأصبح الحصول على الرعاية الصحية ممكنًا لشرائح واسعة من المجتمع.

كما شهدت البنية التحتية نقلة نوعية: شُقت الطرق لربط المدن والقرى، وأُنشئت شبكات الاتصالات، وأُعيد بناء سد مأرب التاريخي ليمد الزراعة بالمياه.

منجزات اقتصادية واجتماعية

على الصعيد الاقتصادي، وضعت الحكومات الجمهورية خططًا للتنمية الزراعية والصناعية. تم التوسع في بناء السدود والحواجز المائية، وتشجيع الاستثمار في مجالات النفط والغاز والمعادن. كما أُنشئت مدن سكنية حديثة لمحدودي الدخل والمهمشين، في محاولة لتحقيق العدالة الاجتماعية.

أما في الجانب الاجتماعي، فقد ألغت الثورة العبودية، ومنحت المرأة حقوقًا سياسية واجتماعية، وأتاحت لها المشاركة في التعليم والعمل. هذه الإصلاحات شكّلت تحوّلًا تاريخيًا في بنية المجتمع اليمني.

الوحدة اليمنية: أعظم منجزات الثورة

يُجمع اليمنيون على أن إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990 كانت أعظم ثمار ثورة سبتمبر. فبعد عقود من التشطير، تحقق حلم الأجيال في توحيد شطري الوطن تحت راية الجمهورية. فتحت الوحدة آفاقًا جديدة للتنمية والاستثمار، ووسعت المشاركة السياسية، وأتاحت لليمن أن يلعب دورًا أكبر في محيطه العربي.

تحديات ما بعد الثورة

رغم الإنجازات، واجهت الثورة تحديات جسيمة. فقد استمرت محاولات التيار الإمامي لإجهاضها عبر الحروب، كما عانت الدولة من أزمات سياسية واقتصادية داخلية عطلت تحقيق بعض أهداف الثورة.

اليوم، يمثل الحوثيون الامتداد الأخطر لتلك التحديات، إذ أعادوا إنتاج الإمامة بثوب جديد، مستغلين الفقر والأمية والانقسامات السياسية، ومستخدمين الدعم الإيراني لتكريس مشروعهم الطائفي.

لكن وعي اليمنيين المتجدد بثورتهم هو السد المنيع أمام هذا المشروع، كما أثبتت مقاومة الشعب في مختلف المناطق.

سبتمبر بعيون اليمنيين اليوم

يرى اليمنيون أن ثورة 26 سبتمبر ليست مجرد ذكرى، بل مشروع وطني متجدد. فهي تمثل النور الذي أخرجهم من ظلمات الإمامة، وهي البوصلة التي يسترشدون بها في مواجهة التحديات الراهنة.

يحتفلون بها رغم القمع والرصاص، لأنها تعني لهم الحرية والمساواة والكرامة. ولأنهم يدركون أن المعركة اليوم هي امتداد لمعركة آبائهم ضد الطغيان قبل 63 عامًا.

الدروس المستفادة

من أهم دروس ثورة سبتمبر أن الحرية لا تُمنح بل تُنتزع، وأن الاستبداد مهما طال عمره لا بد أن يزول أمام إرادة الشعوب. كما أكدت أن التنمية والتعليم هما الحصن المنيع ضد أي عودة للاستبداد، وأن الوحدة الوطنية شرط أساسي لاستمرار أي منجز.

نحو مستقبل مشرق

إن استلهام روح ثورة 26 سبتمبر اليوم يعني العمل على إعادة بناء الدولة على أسس الجمهورية والديمقراطية، ومكافحة الفقر والأمية، وتوحيد الصفوف لمواجهة المشروع الحوثي. ويعني كذلك الاستثمار في الشباب الذين يمثلون امتدادًا طبيعيًا لجيل الأحرار.

إن مستقبل اليمن مرهون بقدرة أبنائه على استلهام قيم الثورة: الحرية، العدالة، التنمية، والمواطنة المتساوية.

خاتمة

لقد كانت ثورة 26 سبتمبر 1962 نقطة تحوّل تاريخية نقلت اليمن من حكم الكهنوت الإمامي إلى عهد الجمهورية، وأسست لدولة حديثة رغم التحديات. وما تحقق من إنجازات في التعليم والصحة والبنية التحتية والوحدة الوطنية كان ثمرة لهذه الثورة العظيمة.

واليوم، يواجه اليمنيون محاولة جديدة لإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء عبر مشروع الحوثي، لكن تمسكهم بروح سبتمبر يجعلهم أكثر قدرة على إفشاله.

إن ثورة 26 سبتمبر ليست حدثًا عابرًا، بل مشروعًا وطنيًا متجددًا، وستظل منارة تهدي اليمنيين في مسيرتهم نحو الحرية والتنمية، حتى يتحقق حلم كل يمني بوطن جمهوري موحد، مزدهر، يسوده السلام والعدالة.