اليمن بعد عشر سنوات من الانقلاب الحوثي .. انهيار اقتصادي ومأساة إنسانية غير مسبوقة وحرب على الذاكرة الوطنية
عشرة أعوام مرّت منذ أن أسقطت ميليشيا الحوثي –وكلاء إيران– العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014، في يوم يصفه اليمنيون بـ"اليوم الأسود".
ذلك الانقلاب لم يكن مجرد حدث عابر في مسار الدولة، بل نقطة تحوّل كارثية أدخلت اليمن في دوامة من الحروب والانهيار الاقتصادي والمأساة الإنسانية، ووضعت أكثر من 30 مليون مواطن أمام أسوأ عقد في تاريخهم الحديث.
انهيار اقتصادي شامل
قبل انقلاب الحوثيين، ورغم التحديات، كان الاقتصاد اليمني يحافظ على قدر من التوازن مكّن الأسر من تسيير حياتها. غير أن سيطرة الميليشيا غيّرت المشهد جذريًا: توقفت عجلة التنمية، انهارت الشركات والمصانع، وتوقف صرف رواتب أكثر من مليون موظف حكومي للعام التاسع على التوالي.
فقد الناتج المحلي أكثر من نصف قيمته، وخسر ملايين اليمنيين وظائفهم، فيما تعطلت الصادرات التي كانت شريانًا رئيسيًا للاقتصاد.
كما استولت مليشيا الحوثي على البنك المركزي ونهبت أكثر من 5 مليارات دولار من احتياطاته، ما أدى إلى انهيار العملة المحلية وفقدانها ثلثي قيمتها، وقفز معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة.
وهكذا تحوّل الاقتصاد من حالة نمو متعثر إلى مشهد انهيار شامل تقوده سياسة ممنهجة للنهب وتمويل حرب عبثية بإملاءات إيرانية.
كارثة إنسانية غير مسبوقة
هذا الانهيار قاد إلى ما وصفته الأمم المتحدة بـ"أكبر أزمة إنسانية في العالم". ملايين اليمنيين يعيشون اليوم على المساعدات الغذائية، فيما انهارت الخدمات الصحية والتعليمية، وانتشرت الأوبئة، وارتفعت معدلات النزوح الداخلي والفقر إلى مستويات قياسية.
استهداف الهوية والوعي
لم تكتف ميليشيا الحوثي بالاقتصاد والسياسة، بل توجهت نحو أخطر ما يمكن المساس به: وعي الأجيال.
فمنذ سيطرتها على مؤسسات التعليم، أطلقت حملة منظمة لإعادة صياغة المناهج بما يخدم أجندتها الطائفية.
تقارير تربوية كشفت عن أكثر من 1024 تحريفًا أجرتها الميليشيا، بينها حذف 168 درسًا وإضافة 185 موضوعًا جديدًا، معظمها يرسّخ ثقافة العنف والكراهية.
وكانت ثورة 26 سبتمبر الهدف الأبرز، حيث عمد الحوثيون إلى حذف أو اختزال دروسها وتشويه أهدافها، واستبدال رموزها الوطنية بشخصيات طائفية تعكس مشروعهم السلالي القائم على "الحق الإلهي" في الحكم.
معركة على التعليم والفكر
هذا التلاعب الخطير دفع شخصيات وطنية إلى دق ناقوس الخطر.
ففي ندوة فكرية نظمتها مؤسسة القلم للفكر والثقافة بمأرب، شدد نائب وزير التربية والتعليم الدكتور علي العباب على أن "تحصين الأجيال من الفكر الحوثي واجب وطني"، داعيًا إلى مراجعة المناهج وتعزيز قيم ثورة سبتمبر في وجدان الطلاب.
كما أوصت الندوة الجامعات بتوثيق الثورة في أبحاثها باعتبارها "أعظم يوم في تاريخ اليمن الحديث".
معركة وجودية
اليوم لم يعد الصراع مع ميليشيا الحوثي سياسيًا أو عسكريًا فحسب، بل معركة وجودية بين مشروع وطني يؤمن بالحرية والمواطنة والعدالة، ومشروع طائفي سلالي يعيد اليمن إلى عصور الظلام.
ويؤكد مراقبون أن حماية ثورة 26 سبتمبر في عقول الأجيال هي الضمانة الوحيدة لبقاء اليمن حرًا وكريمًا، وأن اليمنيين أمام واجب تاريخي لحماية هويتهم الوطنية من محاولات الطمس والتزييف.