تعز.. مدينة لا تنكسر وحاضنة الثورة والجمهورية
تعز، المدينة التي وُصفت بالحالمة، لم تكن يومًا مجرد مساحة جغرافية أو مركزًا إداريًا على خارطة اليمن، بل مثلت على الدوام قلب الوطن النابض وبوابة مستقبله. فمنها انطلقت شرارات التغيير، وعلى ترابها ترسخت قيم الحرية والمدنية، لتغدو رمزًا للصمود والتعايش والتنوع الثقافي والسياسي.
تظل تعز ذاكرة وطن وبوصلة مستقبل فهى من تحتضن في وجدانها ذاكرة الثورة اليمنية منذ 26 سبتمبر، وتختزن في حاضرها إشارات المستقبل المنشود. فهي ليست مجرد شاهدة على أحداث كبرى، بل فاعل رئيسي في صياغة التحولات الوطنية. لقد شكّلت عبر التاريخ فضاءً للمدنية والتنوير، حيث التقت السياسة بالأدب، والاقتصاد بالفن، لتقدم نموذجًا لمدينة متصالحة مع التعدد والانفتاح.
و لا ينكر احد انها حاضنة الثورة والجمهورية ولم يكن حضورها في مسيرة الثورة اليمنية هامشيًا، بل كان محوريًا. فهي الحاضنة الشعبية والجماهيرية لثورة 26 سبتمبر، ومنها خرجت قيادات وأصوات دفعت بالكفاح الوطني نحو أفق الجمهورية. وعندما نادى اليمنيون في فبراير بالحرية والعدالة، كانت تعز مجددًا في صدارة المشهد، مقدمةً أبهظ التضحيات من أجل مستقبل مختلف.
و رغم ما عانته المدينة من حصار وحروب ودمار، بقيت تعز مدينة لا تنكسر. تحمّلت ويلات الجوع والقصف، لكنها لم تُسلم رايتها ولم تنكسر إرادتها. في كل مرة حاولت الميليشيات إخضاعها، أثبتت المدينة أن الصمود يمكن أن يكون سلاحًا أقوى من المدافع. إنها مدينة تجرح لكنها لا تستسلم، تُرهق لكنها لا تنحني.
و يمثل صمود تعز اليوم رهانًا وطنيًا جامعًا، ليس لأهلها وحدهم بل لكل اليمنيين. فبقاء هذه المدينة شامخة يعني بقاء فكرة الجمهورية حيّة، واستمرار الحلم بيمن مدني ديمقراطي حديث. ولهذا، فإن أي مشروع سياسي يسعى لبناء مستقبل اليمن لا يمكن أن يتجاوز تعز أو يغفل عن دورها الحيوي في صناعة التحولات.
فتعز، مدينة الثقافة والثورة، ستظل رمزًا للوعي الجمعي اليمني، وحاضنة لحلم الدولة المدنية الحديثة. فهي التي واجهت الموت بالحياة، والاستبداد بالوعي، والحصار بالأمل. وبقدر ما دفعت من ثمن باهظ، بقدر ما رسّخت قناعتها الراسخة: أن اليمن لا يمكن أن يُبنى إلا على قيم الحرية والكرامة والعدالة.