17 يوليو 1978.. يوم مفصلي في تاريخ اليمن الحديث
يُعد يوم السابع عشر من يوليو عام 1978 نقطة تحول حاسمة في مسار الجمهورية العربية اليمنية، إذ شهد انتخاب الرائد علي عبدالله صالح – رحمه الله – رئيسًا للبلاد من قِبل مجلس الشعب، في لحظة فارقة من تاريخ اليمن اتسمت بالاضطراب السياسي والتوترات المتصاعدة بين الشمال والجنوب.
جاء ذلك عقب فترة عصيبة أعقبت اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي في أكتوبر 1977، والرئيس أحمد الغشمي في يونيو 1978، إلى جانب مقتل الرئيس سالم ربيع علي في الجنوب. تلك التطورات المتلاحقة جعلت من الرئاسة منصبًا محفوفًا بالمخاطر، حتى بات يُنظر إليها كـ"مقصلة" سياسية، مما دفع الكثيرين إلى العزوف عن تحمّل المسؤولية، بما فيهم أعضاء مجلس الرئاسة المؤقت.
وبعد 21 يومًا من الفراغ السياسي، اتجهت أنظار المجلس إلى الرائد الشاب علي عبدالله صالح، الذي كان أصغر الأعضاء سنًا، لتولي قيادة الدولة. وفي صباح السابع عشر من يوليو، أدى صالح القسم الدستوري وألقى كلمته الأولى أمام الشعب، معلنًا انطلاق مسيرة امتدت لثلاثة عقود.
خلال فترة حكمه التي امتدت لـ31 عامًا، شهد اليمن تحولات جوهرية على مختلف الأصعدة، من تعزيز البنية التحتية وتوسيع شبكة الطرق، إلى دعم التعليم والصحة، وتطوير أجهزة الدولة، وترسيخ مبادئ الجمهورية والوحدة الوطنية.
ما ميّز تلك المرحلة، بحسب مراقبين، هو النهج التشاركي الذي اعتمده الرئيس الراحل في صناعة القرار، حيث سعى منذ البداية إلى إشراك مختلف مكونات المجتمع اليمني في إدارة شؤون البلاد من خلال الحوار، والاستفتاءات، والانتخابات العامة، ما عزز من الشعور الوطني والانتماء الجماعي لمشروع الدولة.
ويؤكد العديد من المحللين أن تلك المرحلة شكّلت استجابة حقيقية لتطلعات الشعب، في ظل حرص القيادة على تثبيت أسس الأمن، والاستقرار، والديمقراطية، والتنمية، والسلام.
ومع حلول الذكرى الـ47 لهذا الحدث التاريخي، يستحضر اليمنيون دروس الماضي، وفي مقدمتها أهمية البناء الصبور في مقابل سهولة الهدم. فقد كشفت أحداث السنوات الأخيرة، بما حملته من حروب وانقسامات، حجم التحدي الذي واجهته دولة ما بعد 1978، والفرق الواضح بين قيادة تسعى إلى ترسيخ أسس الدولة، وأطراف تضع الهدم فوق كل اعتبار.
وتظل كلمات الرئيس الشهيد علي عبدالله صالح – رحمه الله – في أول احتفال بتحقيق الوحدة اليمنية عام 1990، حاضرة في الذاكرة الوطنية:
"إن الأوطان والمجتمعات لا تبنى بالأماني والشعارات الجوفاء أو الانشداد إلى الماضي، ولكن تعمر بالجهود المخلصة التي يبذلها أبناؤها في مختلف حقول العمل والإنتاج."
رحم الله الرئيس علي عبدالله صالح، وخلّد ذكراه في ذاكرة الوطن.