
الأسواق العالمية تترقب تداعيات تدخل أميركي محتمل في صراع الشرق الأوسط
تعيش الأسواق المالية العالمية حالة من الترقب، مع تصاعد احتمالات تدخل الولايات المتحدة عسكرياً في الصراع المتفاقم بين إسرائيل وإيران، وسط مخاوف من تداعيات اقتصادية عميقة قد تطرأ في حال تفجّر الوضع أكثر، لا سيما على أسعار الطاقة ومعدلات التضخم.
ويتابع المستثمرون عن كثب تطورات المواجهات بين الجانبين، خصوصاً بعد تبادل الهجمات الصاروخية، في وقت لم تستبعد فيه الإدارة الأميركية الانخراط المباشر إلى جانب إسرائيل، وهو سيناريو ينذر بارتباك واسع في الأسواق العالمية.
النفط يقود موجة القلق
برزت أسعار النفط كمؤشر رئيسي على القلق المتزايد، حيث ارتفع الخام الأميركي بنسبة 10% خلال الأسبوع الماضي، في حين قفز خام برنت بنحو 18% منذ 10 يونيو، ليصل إلى قرابة 79 دولاراً للبرميل، وهو أعلى مستوى له منذ خمسة أشهر.
ويؤكد محللون أن أي تعطّل في الإمدادات الإيرانية قد يدفع بأسعار النفط إلى مستويات قياسية. ووفقاً لتقديرات مؤسسة "أوكسفورد إيكونوميكس"، فإن تعليق إنتاج إيران أو إغلاق مضيق هرمز، قد يدفع بأسعار النفط إلى 130 دولاراً للبرميل، مما يرفع التضخم الأميركي إلى نحو 6% بنهاية العام الجاري، ويقوّض فرص خفض أسعار الفائدة خلال 2025.
التضخم يهدد الاستقرار النقدي
يقول آرت هوجان، كبير المحللين في "بي. رايلي ويلث"، إن الأسواق ستتحرك بقوة إذا تعطلت فعلياً إمدادات المنتجات النفطية، محذراً من أن ذلك "لن يكون مجرد تأثير على أسعار الطاقة بل أزمة اقتصادية أوسع".
ويضيف خبراء "أوكسفورد إيكونوميكس" أن صدمة الأسعار لن تقتصر على الوقود، بل ستؤثر في القدرة الشرائية للأسر الأميركية، ما ينعكس سلباً على الإنفاق الاستهلاكي ويعمق الضغوط التضخمية.
الأسهم... هدوء حذر
ورغم التصعيد المتسارع، فإن مؤشرات الأسهم الأميركية، وفي مقدمتها "ستاندرد آند بورز 500"، لم تُظهر حتى الآن ردود فعل دراماتيكية، إذ ظلت مستقرة نسبياً، بعد تراجع طفيف في بداية الهجمات.
لكن محللي "سيتي جروب" حذروا من أن تجاهل الأسواق للتوتر الجيوسياسي قد لا يدوم طويلاً، خصوصاً إذا اتسع نطاق المواجهة. وقالوا في مذكرة تحليلية: "حتى الآن، تفاعلت أسعار النفط بقوة مع التوتر، بينما بقيت الأسهم في حالة إنكار نسبي... لكن التأثير قادم من خلال أسعار الطاقة".
وسبق لتجارب سابقة، مثل غزو العراق عام 2003، أن أظهرت تراجعاً مؤقتاً في الأسواق عند اندلاع الصراعات، قبل أن تعاود الصعود لاحقاً. ووفق بيانات "ويدبوش سيكيوريتيز"، فإن مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" تراجع بمتوسط 0.3% في الأسابيع الثلاثة الأولى من النزاعات، لكنه حقق مكاسب بنحو 2.3% في الشهرين التاليين.
الدولار... بين الضغط والاستفادة
أما الدولار، فقد يكون من أبرز المستفيدين من التوتر، كملاذ آمن تقليدي، رغم أنه شهد تراجعاً ملحوظاً منذ بداية العام. ويشير محللون إلى أن العملة الأميركية قد تلقى دعماً مؤقتاً في حال تصاعدت المواجهة، لا سيما في ظل ضعف التوقعات الاقتصادية لأوروبا واليابان.
ويقول تييري ويزمان، محلل العملات لدى "ماكواري"، إن القلق الأكبر قد يتمثل في تدهور شروط التبادل التجاري لصالح الولايات المتحدة كونها منتجاً كبيراً للطاقة، وهو ما يمنح الدولار بعض القوة المؤقتة.
القرار الأميركي المرتقب
البيت الأبيض أعلن أن الرئيس الأميركي سيحسم خلال الأسبوعين المقبلين موقف بلاده من الانخراط العسكري في الصراع. هذا الإعلان زاد من حالة الترقب في الأسواق، التي تتحسس من أي مؤشرات توحي باتساع نطاق الحرب.
حتى اللحظة، يبدو أن التأثير الأكبر يقتصر على أسواق الطاقة، لكن المتعاملين في الأصول الأخرى – من الأسهم إلى السندات – يتهيأون لاحتمالات أسوأ إذا تدهورت الأوضاع.
خلاصة
أسعار النفط ارتفعت بشدة وسط مخاوف من تعطل الإمدادات.
التضخم يُهدد فرص خفض أسعار الفائدة الأميركية هذا العام.
الأسهم لا تزال متماسكة... لكن الخطر قائم.
الدولار قد يستفيد من تصاعد التوتر كملاذ آمن.
القرار الأميركي بشأن التدخل قد يحدد مسار الأسواق في المرحلة المقبلة.
في ظل هذا المشهد الضبابي، تبقى الأسواق رهينة التطورات الجيوسياسية، وسط ترقب ثقيل لما ستحمله الأيام القادمة من قرارات ومفاجآت.