مطار صنعاء بين دمار الغارات وسرديات الحوثي الدعائية.. واقع متهالك وابتزاز متجدد باسم "الإعمار"
في خطوة أثارت موجة استهجان وسخرية عارمة في الأوساط اليمنية، أعلنت ميليشيا الحوثي الإرهابية، اليوم، عن جاهزية مطار صنعاء الدولي لاستئناف الرحلات الجوية اعتبارًا من يوم غد. الإعلان الذي بدا لأول وهلة وكأنه مؤشر على استعادة المطار لعافيته التشغيلية، سرعان ما تبين أنه لا يعدو كونه غطاء دعائيًا للتغطية على حجم الدمار الكبير الذي لحق بالمطار وبغيره من المنشآت الحيوية في مناطق سيطرة الجماعة، إثر الغارات الجوية الإسرائيلية الأخيرة.
وفيما تحاول المليشيا تمرير الرسالة بأن الأمور تحت سيطرتها وأنها قادرة على إعادة تشغيل المطار في وقت قياسي، تشير الوقائع إلى أن ما تم لا يتجاوز محاولات تجميل سطحية، تخفي خلفها مشهدًا أكثر قتامة يفضح هشاشة البنية التحتية وعبثية الأداء الحوثي في إدارة مؤسسات الدولة.

دمار شامل وترميم شكلي
تشير التقارير الميدانية، المدعومة بشهادات من داخل مطار صنعاء، إلى أن الأضرار التي لحقت بالمدرج كانت محدودة نسبيًا، إذ لم يكن هو الهدف الأساسي في الغارات الإسرائيلية، التي ركزت على المرافق التشغيلية الأكثر حساسية داخل المطار، بما في ذلك مبنى الركاب، برج المراقبة، والمباني الفنية والإدارية.
ورغم محدودية الضرر في المدرج، سارعت المليشيا إلى ترميمه بشكل سطحي باستخدام كميات ضئيلة من الإسفلت، متجاهلة الكارثة الحقيقية التي أصابت باقي المرافق، والتي لا تزال حتى اللحظة غير صالحة للاستخدام. أما الطائرات التي تضررت، خاصة التابعة للخطوط الجوية اليمنية، فليست فقط خارجة عن الخدمة، بل يصعب تعويضها بسبب عدم شمولها بالتأمين داخل اليمن، كما أكدت الشركة نفسها.
حملة دعائية لتغطية فشل استراتيجي
يأتي إعلان الحوثيين عن جاهزية المطار في إطار حملة إعلامية تهدف إلى امتصاص الغضب الشعبي وطمس حقيقة فشلهم في حماية المرافق الحيوية، بل والتسبب في استهدافها نتيجة سلوكياتهم العدائية المرتبطة بأجندات خارجية. فإطلاق صواريخ استعراضية باتجاه الأراضي المحتلة، لم يحقق أي أهداف استراتيجية ضد إسرائيل، بينما قاد إلى استدعاء ردود عسكرية مدمرة داخل الأراضي اليمنية، دفع ثمنها المواطن البسيط والبنية التحتية الوطنية.
ويذهب مراقبون إلى أن المليشيا الحوثية، وبتوجيه من طهران، استخدمت اليمن ساحة لتصفية حسابات إقليمية، دون اكتراث للتداعيات الكارثية المترتبة على ذلك، سواء من حيث الأرواح أو الخسائر المادية، أو حتى انعكاسات تلك الهجمات على الخدمات الأساسية التي باتت شبه منعدمة في مناطق سيطرة الحوثيين.

نهب ممنهج باسم إعادة الإعمار
بعيدًا عن أي نية فعلية لإعادة تأهيل المنشآت المتضررة، شرعت المليشيا خلال الأيام الماضية في فرض إتاوات مالية كبيرة على التجار ورجال الأعمال في صنعاء ومناطق أخرى، بذريعة "المساهمة في إعادة إعمار المطار". ومع ذلك، أظهرت الوقائع أن النسبة التي أُنفقت فعلًا على أعمال الترميم لا تتجاوز هامشًا ضئيلًا جدًا من تلك الأموال، بينما تم توجيه الجزء الأكبر منها إلى حسابات ومصالح قيادات المليشيا.
هذه الممارسات ليست جديدة على الحوثيين، الذين دأبوا على استغلال كل أزمة تمر بها البلاد كفرصة لتعزيز قبضتهم الأمنية والاقتصادية عبر الابتزاز والنهب، متخفين وراء شعارات وطنية ودينية لا تمت للواقع بصلة.
المطار بوابة للحرب.. لا للسلام
ولا يمكن فصل حرص الحوثيين على إعادة تشغيل مطار صنعاء بهذه السرعة، رغم تهالك مرافقه، عن أهدافهم الضيقة المرتبطة بتنقل قيادات الجماعة ومسؤوليها بين العواصم الداعمة لمشروعهم، خصوصًا طهران وبيروت. وفي الوقت الذي يُمنع فيه المواطنون من السفر للعلاج أو الدراسة أو العمل، يتم فتح المطار فقط حين يتطلب الأمر تنقلاً دبلوماسيًا أو أمنيًا لقيادات الصف الأول في الجماعة.
بالمقابل، لم تبذل الجماعة أي جهد ملموس لإصلاح مرافق أخرى تضررت بشدة، مثل الموانئ أو محطات الكهرباء أو المصانع، رغم أن آثار تدميرها تنعكس مباشرة على حياة ملايين المواطنين الذين يعانون من انعدام الخدمات وشلل الحركة الاقتصادية.

ختامًا.. مسرحية مكشوفة
في المحصلة، يكشف إعلان تشغيل مطار صنعاء، بالشكل الذي جرى، عن مسرحية مكشوفة الأهداف؛ مسرحية تحاول فيها المليشيا إيهام الداخل والخارج بأنها ما زالت قادرة على إدارة شؤون البلاد، بينما الحقيقة على الأرض تقول إن ما يجري هو مجرد عبث ممنهج بمقدرات الدولة، واستمرار في نهج الاستقواء على الشعب، وإخضاعه عبر التخويف والدعاية والابتزاز.
ويظل اليمني البسيط، هو المتضرر الأول والأخير، في ظل جماعة توظف معاناته لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، وتغلف فشلها بالدعاية والشعارات، بينما الوطن يرزح تحت ركام الأزمات والانتهاكات، بلا أفق واضح للخلاص.
