و صعِدتْ بالمصعد إلى السماء

قبل 10 ساعة و 57 دقيقة

في هذا البلد، نكباتنا تبدأ ولا تنتهي, تُشرع في مد أهدابها ومن ثم تتحول الأهداب إلى مخالب، تُخلِّف وراءها جمهوراً غفيراً من الضحايا المنهكين، بأرواح عارية تجلدها سياط الغبن والقهر العظيم..

قُتلت فتاة المصعد، ولم تصعد لطوابق المستشفى بل صعدت للسماء.. لم يقتلها المصعد بل قتلها وجودها في بلد انتهكته الخطايا، وفي مدينة اغتالتها الولاءات الزائفة، والنرجسية المفرطة واللامبالاة بأرواح البائسين.

قُتلت فتاة المصعد، وقتلها يعكس وضع الموت لكرامة التعزي ، وضع الإهمال المرعب في شتى جوانب الحياة في تعز الصحية والتعليمية والأمنية والمعيشية، يعكس مدى التسيب واللامبالاه لكل ما من شأنه صون الكرامة و الرقي بهذه المدينة المتآكلة شيئا فشيئا حتى ستغدو غابة على هيئة مدينة.

قتلها يُعد عار على مسؤولي تعز من أكبرها رأس إلى أصغرها رأس ، هم من قتلوها بولاءاتهم الزائفة، بوطنيتهم الميتة، بنرجسيتهم وملاحقتهم بعد مصالحهم، وتركوا تعز تغرق في مواتها ، مشغولون فقط بحياكة العنف، والمماحكات، وصناعة فخاخ التعصب وإنتاج العداوات والرزايا، لا يقاس لديهم الولاء إلا طبقاً لتكايا المنافقين وعجرفة الجبارين والقرابين المقدسة وفوهات البنادق، كينونتنا عندهم مخاطرة محفوفة بالأحزمة النازفة، ولا شيء لتعساء تعز إلا القتل بدماء باردة.

وإن كان لا يزال لدى مسؤولي تعز ذرة وطنية  -و أشك بذلك-  عليهم فتح التحقيق العادل ومحاسبة كل مهمل وعابث وجانٍ تسبب باغتيال الطالبة واغتيال كل روح بريئة.

عيبنا أننا جئنا في وطن حزين، ومدينة بائسة، طرقاتنا أوكار مُشرعة على الجراح، آتية من سنين الوجع المُر. فما عدنا نسمع صوت طفل إلا يبكي، ولا صرخة إلا تعوي، ولا نداء إلا ويغتاله الأسى، ولا حلماً إلا يتكسر, وأمنية تتناثر ولا ذات تعلو على ذات الأنين.

صُدرت في تعز أحلامنا بوطن ننفذ منه لغد أفضل, بوطن نرتقي فيه لمرتبة (إنسان)، صُدرت أمانينا بوطن يصدح فيه السلام بدلاً عن أزيز الرصاص.. صُدرت أمانينا ببلد تسيّرها العدالة بدلاً من حراب القتلة.. صُدرت أمانينا بوطن نحيا فيه بكرامة ونموت فيه بكرامة..

نحن لا نريد سوى وطن يصلح لقليل من الطمأنينة لكل أرواحنا المنهكة..فهل تنهيدات الطيبين على كل غصص يتجرعونها كفيلة بأن تدك عقال الصبر والانتظار المقيت؟!.

ولك الله يا تعز.. الرحمة والخلود لطالبة مستشفى القتل والإهمال والتسيب.