تعز .. رمز للفشل المزمن في إدارة المناطق المحررة
تعيش مدينة تعز الواقعة تحت سيطرة السلطة الشرعية، واقعاً مأساوياً يتجلى في انهيار شبه تام للجانب المعيشي والأمني والصحي والتعليمي والتنموي وحتى القضائي والإنساني.
فقد كانت مدينة تعز يوماً ما رمزاً للثقافة والتنوير والنجاح، ولكنها أصبحت اليوم شاهداً حياً على الفشل الإداري والتجاهل السياسي الذي تعاني منه المحافظات المحررة.
فهنا في مدينة تعز يواجه السكان أوضاعاً أمنية منفلتة، وارتفاعًا كبيرًا في نسبة جرائم القتل والاستغلال ونهب الأراضي واحتلال المساكن وفرض الاتاوات على التجار والمغتربين وأصحاب المصارف والاسواق والمتاجر والمؤسسات، مما جعل حياة الناس وممتلكاتهم عرضة لأسلحة وبطش المنحرفين والمجرمين والمفصعين.
وفي مدينة تعز، يواجه السكان أوضاعاً معيشية متدهورة، حيث تتضاعف أسعار المواد الغذائية والخدمات الأساسية بصورة عشوائية ومزاجية متواصلة، وسط غياب تام للرقابة الحكومية. كما أن ارتفاع نسبة البطالة، وضعف المرتبات، وانعدام المشاريع الإنتاجية، قد دفع بآلاف الأسر إلى هاوية الفقر والعوز والمجاعة.
وفي مدينة تعز، يعاني السكان من الظلم وضياع الحقوق وغياب العدالة. فبسبب تفكك السلطة القضائية، وانتشار الفساد، وتداخل السلطات، وضعف أداء المحاكم، أصبح القانون أداة بيد المتنفذين، وأصبح المواطن البسيط عاجزاً أمام الظلم، وضحية لفساد القضاء وانحراف إجراءاته.
وفي الجانب الصحي، تشهد مدينة تعز أوضاعاً صحية كارثية، حيث تعاني المستشفيات والمراكز الصحية من نقص حاد في الكوادر المتخصصة والأدوية والمستلزمات الطبية، خاصة محاليل الغسيل الكلوي، والاورام السرطانية، إلى جانب ضعف البنية التحتية، وهجرة الكثير من المتخصصين بفعل انعدام الأمن وضعف المرتبات الحكومية. كما تعاني المدينة من تكدس أطنان القمامة في السوائل الخاصة بتصريف مياه الأمطار، ومن إنفجار شبكات الصرف الصحي المتهالكة في المدينة، مما يضاعف في نسبة الإصابة بالامراض، وارتفاع نسبة الوفيات في المحافظة.
وتعيش المدينة أوضاعاً تعليمية متردية، حيث أعلن المعلمون الإضراب عن العمل، وأغلقت المدارس أبوابها أمام الطلاب والطالبات منذ بداية النصف الدراسي الثاني بسبب ضآلة مرتبات المعلمين وعدم كفايتها لمقاومة متطلبات الحياة الاساسية، وهو ما انعكس سلباً على مستوى الطلاب وعلى جودة التعليم واستمراريته.
وبسبب غياب الدولة، وضعف أجهزة السلطة المحلية بالمحافظة، حرمت مدينة تعز من أي مشاريع تنموية حقيقية. فلا بنى تحتية جديدة، ولا إعادة إعمار، ولا حتى برامج دعم سكاني. المدينة تبدو كأنها منسية من خطط الدولة والمجتمع الدولي، رغم الكثافة السكانية والحاجة الملحة لتدخلات عاجلة.
الوضع الإنساني في تعز مأساوي للغاية، فالحصار المفروض منذ سنوات، واستمرار الاشتباكات، ونقص المساعدات، وانعدام الخدمات، كلها عوامل ساهمت في خلق بيئة قاسية للعيش وممتلئة بالأوجاع والجراح والأزمات.
إن الانهيار الشامل في مدينة تعز وانعدام الحلول والمعالجات قد جعل منها رمزًا للفشل المزمن في إدارة المناطق المحررة. ومع استمرار الفساد وتعمد الإهمال، فإن هذه المدينة المكلومة قد تصل إلى نقطة اللاعودة، ما لم يتم اتخاذ إجراءات جادة وشجاعة لإنقاذ ما تبقى من روحها.