كلهم انقلابيون...!!
طرف يزايد بالعروبة والقومية ويعد بتحرير القدس.. وطرف يغالط ويتحجج بسعيه لتحرير صنعاء من إيران الفارسية.. والجميع في حقيقة الأمر يتهربون من مواجهة الواقع، ومن النظر إلى ما يعيشه اليمنيون من حال بائس، لا يمكن لبشر في غير اليمن احتماله لشهر واحد، فما بالنا بعشر سنوات أحرقت جلود وجلَدَ اليمنيين وقبل ذلك قلوبهم..!؟
الجميع يهربون من واقعنا المشترك إلى الأمام، وكأنهم لا يعلمون أن ذلك الأمام سيظل ملغماً بنا، وبما نعيشه من حال مؤسف ومؤلم، تحت غبار صراع وهمي، يحاولون إيهامنا بكونه صراعاً مصيرياً من أجلنا، ومن أجل وطننا ومن أجل حاضرنا ومستقبلنا.. بينما تؤكد الحقائق من يوم لآخر أننا والوطن والمستقبل أبعد بكثير مما يهرفون ويدعون، وأننا جميعاً مجرد تضحية من أجل أمجادهم الشخصية..!!
المشكلة أن هؤلاء وأولئك يعتقدون أنهم ينجحون في إلهائنا، ولفت انتباهنا بعيداً عن حقيقة ما يعاش، أو يهيأ لهم أنهم، بتذاكيهم الأحمق، قادرون على الاستمرار في هذا الغي المقيت، إلى أجل غير مسمى..!! ويظنون، وبعض الظن إثم لا يُغفر، أن الشعب اليمني مصطف من أقصاه إلى أقصاه إلى جانبهم، ومستعد للمزيد من التضحية لأجلهم..!!
والحقيقة التي يجب أن تقال هي أن مستوى الثقة في هذا وفي ذاك صارت دون ما دون المستوى، خصوصا حين نرى أثر هذا الصراع، الذي لا يبدو صراعاً في حقيقته، وقد تحول معظم أبناء الوطن إلى متسولين وأصبح الفقر والفاقة عنواناً رئيسياً وملفتاً لكل دعاوى هؤلاء وادعاءات أولئك، وهم يثرون ويرفهون ويعيثون فساداً وبغياً على حسابنا..!!
والحقيقة الأكثر مرارة، والتي يدل عليها خطاب هذا المقال، أن اليمنيين اليوم، وللأسف الشديد، لم يعودوا يفرقون بين انقلاب وبين شرعية، وصاروا ينظرون إلى الجميع في ثوب ودور الانقلاب على الشعب والدولة والنظام، وأيضاً على الواقع الذي لا يجب بأي حال من الأحوال أن يغدو ما غدا عليه اليوم، مهما كانت وصارت إليه أزمة اليمن..!!
ثمة قاعدة عامة ترى أن الأزمات السياسية والحروب وأشباه الحروب، هي البيئة التي يعتاش عليها الفاسدون وأمراء الحروب، وبالتالي فإن من يثرى في أزمة كهذه، ولا يهمه شأن الشعب بهذه الطريقة المؤسفة، لا يمكن إلا أن يكون انقلابياً فاسداً، ولا يمكن التفريق بين هذا وذاك، ما دام وتصرف الطرفين ينحو ذات المنحى الذي يصنع المعاناة نفسها بدلاً من أن يعالجها.