الشريط الأحمر .. رمز الانطلاق والتصوير
على مدى عشرين عاماً، كنت أتابع العديد من المشاريع والجمعيات والهيئات المحلية، وكلما رأيت الشريط الأحمر، شعرت بشيء من الحماس والإثارة. إنه ليس مجرد شريط، بل هو رمز للانطلاق، للوعود التي تُقطع، وللصور التي تُلتقط. وكأن لمس الشريط الأحمر هو بمثابة تصريح للظهور، للعبور إلى عالم الأضواء، ليصبح كل من يلمسه جزءًا من لحظة تاريخية.
ما يثير اهتمامي هو كيف يتجمع المسؤولون حول هذا الشريط وكأنهم في حفل تتويج. تتدفق الابتسامات، تتبادل المعايدات، وتُرفع الأيادي في الهواء، وكل واحد منهم يحاول أن يُظهر أنه الأهم في هذه اللحظة. يتحدثون عن الإنجازات والخطط المستقبلية، لكن ما يحدث بعد فترة هو ما يلفت انتباهي بشكل أكبر. نجد أن الأمور تتغير، ويظهر أشخاص فجأة، لا علاقة لهم بالمشروع، لكنهم يريدون فقط التقاط صورة تخلد هذه اللحظة. وكأن لمسة الشريط الأحمر تمنحهم حق الظهور في هذه المناسبة، وكأنهم يحملون بطاقة دخول إلى عالم الشهرة.
هذا المشهد يجعلني أفكر في مسألة الكفاءة والمعايير التي تُعتبر أساسية في أي مشروع. أصحاب الكفاءات الحقيقية غالبًا ما يكونون خلف الكواليس، يعملون بصمت، ويحققون الإنجازات دون ضجيج. لكن في عالم إعلامي يفضل الصور على المحتوى، يصبح لمس الشريط الأحمر هو المفتاح للدخول إلى دائرة الضوء. هؤلاء الأفراد الذين يسعون للحصول على الصور يظهرون وكأنهم أبطال اللحظة، بينما يبقى الأبطال الحقيقيون بعيدين عن الأضواء، غارقين في أعمالهم.
من المثير للسخرية أن الشريط الأحمر قد يتحول إلى رمز للعبث. قد تجد شخصاً لا يملك أي خلفية أو خبرة في المشروع، لكنه يصر على لمس الشريط والتقاط الصورة. وفي بعض الأحيان، يكون هؤلاء هم الذين يتسلقون المناصب، ويستعرضون الكفاءات، بينما يتجاهلون الجهود الحقيقية التي بُذلت لتحقيق النجاح. في النهاية، لا يهم من هو الذي قام بإنجاز المشروع، بل من هو الذي لمس الشريط الأحمر وظهر في الصورة.
إنه مشهد يعكس الواقع المؤلم الذي نعيشه. في عالم تُعطى فيه الأولوية للظهور على الكفاءة، يصبح النجاح مرتبطًا بالقدرة على التقاط الصور أكثر من ارتباطه بالإبداع والجهد الحقيقي. فالشريط الأحمر، الذي كان في البداية رمزاً للأمل والانطلاق، يتحول إلى رمز للاستهتار بكل ما هو مهم.
وفي ختام الأمر، تبقى الكفاءات الحقيقية بحاجة إلى الاعتراف والدعم، بينما يظل الشريط الأحمر في مركز المشهد، يلمع بريقه، بينما يتوارى خلفه الإنجاز الحقيقي. قد نحتاج إلى إعادة التفكير في القيم التي نحتفي بها، ونمنح الأهمية للجهود الحقيقية، بدلاً من الانغماس في عالم الصور والشعارات.