المعلم بين التحديات الراهنة والتجاهل الحكومي

قبل 7 ساعة و 11 دقيقة

التعليم هو الأساس الذي تبنى عليه نهضة المجتمعات وتطور الأمم. ويأتي المعلم في صدارة القوى التي تصوغ هذه النهضة، ليس فقط بنقل المعرفة، بل ببناء الأجيال وتنمية القيم والمفاهيم الأساسية التي تعزز من تماسك المجتمعات وتطورها.

مع ذلك، يعاني هذا الدور المحوري من التهميش بسبب السياسات الحكومية التي تتجاهل الاحتياجات الحقيقية للعملية التعليمية، مما يؤدي إلى تعميق الأزمات الاجتماعية والاقتصادية وإضعاف فرص التنمية المستقبلية.

يُعد المعلم العنصر الأساسي في بناء العقول وتنمية المهارات. فهو الموجه الذي يغرس في طلابه القدرة على التفكير النقدي والتحليلي، وحب الاستكشاف العلمي. لكنه في الوقت ذاته هو القائد الأخلاقي الذي يساهم في تشكيل قيم المسؤولية الاجتماعية والانتماء الوطني. يشكل هذا الدور التكاملي ركيزة للتنمية المستدامة التي تعتمد على جيل واعٍ ومبدع قادر على مواجهة تحديات العصر. مع ذلك، فإن عدم توفير الدعم المادي والمعنوي للمعلمين يهدد بتقويض هذه الأدوار ويضعف التأثير الإيجابي للتعليم على المجتمع.

إن الأزمات المتكررة التي تعاني منها المدارس الحكومية، من إضرابات ونقص الموارد، تؤدي إلى توقف العملية التعليمية بشكل مستمر، مما يحرم ملايين الأطفال من حقهم في التعلم. في المقابل، تستمر المدارس الخاصة والجامعات الدولية، التي غالبًا ما يرتادها أبناء النخب والمسؤولين، دون انقطاع. هذه المفارقة تؤدي إلى فجوة تعليمية تكرس انقسامًا طبقيًا خطيرًا في المجتمع، حيث يزداد أبناء الفئات الفقيرة تهميشًا وحرمانًا، بينما يحظى أبناء الميسورين بتعليم يضمن لهم التفوق والفرص الأكبر في المستقبل.

تجاهل الحكومات لأهمية التعليم يعزز التفاوت الاجتماعي والاقتصادي، حيث يؤدي نقص الاستثمار في التعليم الحكومي إلى تدهور جودته وزيادة معدلات البطالة والفقر. كما أن التهميش التعليمي يخلق بيئة خصبة لنمو التطرف والأفكار الهدامة، ما يهدد الاستقرار والسلم الاجتماعي.

السؤال الذي يفرض نفسه: كيف يمكن لحكومة أن تبرر توقف التعليم الحكومي الذي يخدم الأغلبية العظمى من الشعب، بينما التعليم الخاص، الذي يمثل امتيازًا للأقلية، يظل مستمرًا دون تأثير؟. كيف يمكن للمجتمع أن يحقق النمو والتطور في ظل نظام تعليمي يميز بين طبقاته؟.

التعليم هو حق إنساني وأداة لتحقيق العدالة الاجتماعية، وليس رفاهية يمكن الاستغناء عنها.
إن الإجابة على هذا السؤال تمثل مفترق طرق بين التقدم والانهيار. فالدول التي تنظر إلى التعليم والمعلمين كأصل وطني ثمين تحظى بفرصة بناء مجتمعات مزدهرة تقوم على المعرفة والابتكار، بينما تسير الدول التي تتجاهل هذه القيم نحو مستقبل مليء بالاضطرابات والفقر الفكري والاجتماعي.

يبقى الأمل معقودًا على وعي مجتمعي متزايد يطالب بحقوقه الأساسية، وعلى قرارات شجاعة من الحكومات تعيد للتعليم مكانته الحقيقية كقوة محركة للتنمية. إن اللحظة التي تدرك فيها الدول أن الاستثمار في المعلم والتعليم هو الاستثمار الأهم هي اللحظة التي تبدأ فيها مسيرة النهضة الحقيقية.
إن هذا الواقع يتطلب تغييرات جوهرية تبدأ بمساءلة صُناع القرار ووضع التعليم على رأس الأولويات الوطنية. الفشل في تحقيق عدالة تعليمية متكاملة يعني تكريس الإقصاء الاجتماعي وزيادة التحديات التنموية على المدى الطويل.

* باحث اجتماعي وأكاديمي