وداع يليق بك ملحقنا الثقافي في تونس الخضراء
هناك بعض من الشخصيات الديبلوماسية تتخطى نطاق عملها الرسمي لترسخ بعدًا آخرًا من مسيرة حياتها العملية.
ببساطة، هذه الشخصيات تكسر قيود الوظيفة لتكون المناطة بها لكي تقترب من هموم الناس وتتلمس حاجاتهم وانشغالاتهم كي تعينهم على تجاوز كثير من مصاعب الحياة.
في الأيام الماضية تابعت باهتمام قيام مجموعة من الطلاب اليمنيين الدارسين في تونس الغالية بالاحتفاء بالدكتور انيس ثابت عثمان الملحق الثقافي في سفارة بلادنا هناك، بعد اتمامه فترة عمله. هذا الاحتفاء جاء تعبيرًا عن مكانة الرجل ومعه الصديق العزيز الاستاذ ذي يزن الحماني المسؤول المالي في الملحقية. حقيقة غمرتني سعادة لا توصف لهذه الالفة التي تعكس تكامل مهم في ظل ظروف صعبة يمر بها الطالب اليمني وعموم ابناء الجاليات اليمنية في أرض الله الواسعة.
الجميع يشيد بتعاونهما وتفاعلهما مع الطلاب وسعيهما الدؤوب من أجل تخفيف معاناتهم رغم ظروف تأخير مخصصاتهم ومشكلات الغربة. فقد كانا يعاملان الطلاب كاصدقاء لهما ومن دون تَكلّف ولا بيروقراطية. حقًا لقد لمست ذلك بنفسي من خلال فترة دراستي لنيل درجة الدكتوراه في تونس.
لم أجد منهما أية محاباة في التعامل مع الطلبة ولم ألمس لديهما أي تفرقة، فالجميع سواء هم ابناء اليمن. كما وجدتُ منهما اهتمامًا و رقيًا إنسانيًا لا مثيل له واريحية في التعامل وسلاسة في الإصغاء وحوار نابع من القلب عندما تتناقش معهما في مسألة ذات صلة بشؤون الطلبة، ولا يدخران جهدًا ولا يُسوفان متابعة معالجة مختلف المشكلات التي تواجه الطلبة عادة مع الجامعات التونسية، ويسعون بجد إلى خلق أفضل العلاقات الطيبة مع المسؤولين في تلك الجامعات بما يعود بالفائدة على المبتعثين ومتابعة وحل قضاياهم.
كذلك لن أنسى جانبًا آخرًا مهمًا وهو الحرص على مشاركة المبتعثين فرحتهم بحضور مناقشة رسائلهم العلمية واطاريحهم، بل وتكريم المبرزين منهم.
صحيح أن هذا الأمر من صميم اختصاص الملحقية والسفارة، لكن للأسف لا نجد ذلك في كل البعثات الدبلوماسية، فقد ألقت الأزمة بظلالها على كل الأعمال وتحديد المواقف حسب الأمزجة ودخول كثير من التصنيفات السلبية وتأثيرها على أعمال كثير من الدخلاء على العمل الدبلوماسي.
بالتأكيد هذا النشاط والعمل يتم وفق توجيهات الأخ السفير عبدالناصر با حبيب، فهو القدوة في التعامل ولم أرَ منه إلا كل تعاون وتفان وتقدير مع الطلاب والوفود الشعبية والرسمية التي تقوم بزيارة تونس الحبيبة، هذا البلد الراقي في تعامله، والذي يكن كل التقدير والمحبة لابناء اليمن، وينظر للطالب بأنه قادم من بلد العروبة. كما لمست تعاطفا كبيرا وأمنيات من هذا الشعب الرائع باستقرار اليمن ودعوات للوئام والسلام وعودة الأمن وحالة الاستقرار باعتباره مهد العروبة.
لا أنسى الجهود الحثيثة التي تبذل من طرف وزارة الخارجية، والتي تعكس تغيرات واضحة من قبل الوزير الدكتور شايع الزنداني، ولعل التدوير الوظيفي من صميم العمل الديبلوماسي، وهذا لا يمنع أيضا الاستفادة من الكوادر خاصةً التي كان لها حضور طيب وأثبتت أنها جديرة بالمهمة التي أوكلت إليها.
مرة اخرى أزجي التحية والتمنيات الصادقة لمن ودع عمله وهناك من قال له "شكرًا من القلب" فقد أديت الأمانة بصدق واخلاص ونلت محبة وثناءً لا يفنى، سيطوقك في كل سنين حياتك.. شكرا من القلب.
حقيقة، الكثير تابع العبث الذي طال وزارة الخارجية من خلال التعيينات والمحسوبية خلال السنوات الماضية، والذي أدى إلى إغراق الملحقيات والسفارات بكوادر غير مؤهلة، ولا تنتمي للعمل الديبلوماسي، لا من قريب ولا من بعيد، وهذا الأمر تسبب بكثير من الإشكاليات، ما أدى إلى قصور واضح في الأداء، ومعاناة كثير من الجاليات والطلاب.
لقد كان احتفاء طلاب اليمن في تونس بعد انتهاء عمل الملحق الثقافي فرصة لي للكتابة عن هذه الكوادر وعن ذلك البلد الطيب، وكذلك عن الملحقيات الديبلوماسية، والتغيرات التي تشهدها الخارجية، والتصحيح، الذي لا أقول تأخر، وإنما من الضروري ألا يتأخر أكثر من ذلك لمعالجة العديد من الاختلالات.