الشباب اليمني بين التهميش وعبث القيادات السياسية
اليمن، اليوم تعيش أزمة سياسية حادة تعكسها حالة عزوف الشباب عن الانخراط في العمل السياسي والحزبي. هذه الظاهرة ليست نتاج اللامبالاة أو الإحباط فقط، بل هي انعكاس لتحديات جوهرية أبرزها فساد النظام السياسي، وتغوّل المحسوبية، والتبعية المخزية التي أصابت الحكومة الشرعية، فضلاً عن استمرار سيطرة القيادات العتيقة على المشهد السياسي.
الفساد والمحسوبية في الحكومة الشرعية
الحكومة الشرعية، التي كان من المفترض أن تكون نموذجاً للاستقامة واستعادة مؤسسات الدولة، أصبحت للأسف غارقة في الفساد الإداري والمالي، المؤسسات الحكومية تُدار وفقاً للمصالح الضيقة، والأموال العامة تُستنزف لصالح مشاريع شخصية وعائلية، في حين يعيش الشعب اليمني أزمة إنسانية خانقة.
الشباب الذين يرون هذه الممارسات، يفقدون الثقة تماماً في أي منظومة سياسية يُفترض أن تمثلهم، حيث تُدار شؤون الدولة كأنها ملكية خاصة لمجموعة من المسؤولين الذين لا يولون أي اهتمام لاحتياجات الشعب.
المحسوبية الفجّة
المناصب الحكومية أصبحت تُوزع بناءً على الولاءات الشخصية والقبلية والحزبية، بدلاً من الكفاءة والجدارة، هذا الأمر خلق حالة من الإحباط بين الشباب المؤهل، الذين يجدون أنفسهم مستبعدين لصالح شخصيات غير مؤهلة ولا تمتلك أي رؤية، لكنها قريبة من “مراكز النفوذ”.
الشباب اليوم لا يرون في الحكومة الشرعية نموذجاً يمكن أن يلهمهم للانخراط في العمل السياسي، بل يرونها مثالاً على نظام مكبل بالمحسوبية، وغير قادر على تقديم نموذج حقيقي للإصلاح أو استيعاب الطاقات الشابة.
التبعية المخزية
الحكومة الشرعية لم تعد مستقلة في قراراتها، بل أصبحت رهينة لمصالح دول خارجية تملي أجنداتها عليها. هذه التبعية أفرغت الحكومة من مضمونها، وجعلتها تبدو وكأنها أداة بيد قوى إقليمية ودولية، بدلاً من أن تكون ممثلاً للشعب اليمني وساعية لاستعادة الدولة.
الشباب الذين يرون هذا المشهد المأساوي، يشعرون بأن العمل السياسي والحزبي في ظل هذا الوضع لا يعدو كونه وسيلة لتبرير أجندات خارجية وشرعنة تنفيذها في بلادهم بالإضافة إلى دعم مشاريع شخصية، غير مشروعة، مما يدفعهم إلى الابتعاد عن هذا المجال.
كيف يؤثر هذا على مستقبل اليمن السياسي؟
الفساد والمحسوبية والتبعية جعلت الحكومة الشرعية تفقد مصداقيتها لدى الشعب، خاصة الشباب. إذا استمر هذا الوضع، دون تغيير مفاصلها من القمة إلى القاعدة، مع توسيع المشاركة، تفعيل الأجهزة الرقابية والقضائية، محاسبة الفاسدين وإخضاعهم لمحاكمات علنية، فإن الشرعية ستواجه خطر الانهيار التام، وسيتعمق الانقسام السياسي والاجتماعي.
عزل الشباب عن المشهد السياسي
الشباب هم عماد المستقبل، لكن الوضع الحالي يُبعدهم عن السياسة تماماً، غيابهم يعني غياب الابتكار والرؤية الجديدة، وهو ما يعمّق الجمود السياسي ويفقد اليمن فرصة حقيقية للنهوض.
تفاقم الأزمات الوطنية
في ظل غياب قيادة نزيهة وحقيقية تمثل تطلعات الشعب، سيستمر تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية، وستظل اليمن ساحة للصراعات الإقليمية والمصالح الضيقة.
من المسؤول؟
المسؤولية عن هذا الواقع تقع على عدة أطراف، في. مقدمتها القيادات السياسية والحزبية التي استغلت مناصبها لتحقيق مكاسب شخصية وتركت الشباب خارج المعادلة.
وفي المرتبة الثانية، الحكومة الشرعية التي فشلت في بناء مؤسسات دولة حقيقية أو تقديم نموذج يُحتذى به في النزاهة والشفافية.
القوى الإقليمية والدولية التي تعاملت مع اليمن كمسرح لتحقيق مصالحها، بدلاً من دعم مشروع وطني جامع يحقق المصالح المشتركة للجميع .
الطريق نحو استعادة الثقة
محاربة الفساد جذرياً
• إنشاء هيئة مستقلة لمكافحة الفساد تعمل بشفافية وتُحاسب المسؤولين مهما كانت مواقعهم. وتحيل ملفاتهم لقضاء متخصص وعادل .
• تطبيق مبدأ الشفافية في إدارة الموارد العامة وإعلان تقارير دورية عن مصير إيرادات الدولة والأموال والمنح الدولية .
إنهاء المحسوبية
• تبني نظام صارم لتعيين القيادات الحكومية والحزبية بناءً على الكفاءة والخبرة .
• فتح المجال أمام الكفاءات الشابة للمشاركة في صنع القرار وإدارة شؤون الدولة.
استقلالية القرار الوطني
• استعادة القرار اليمني المستقل وإنهاء التبعية للقوى الخارجية, والمحافظة على سيادة البلد ،
• بناء شراكات متوازنة مع الدول الإقليمية والدولية بما يخدم المصلحة الوطنية.
إطلاق برامج لدعم الشباب
• تأسيس منصات شبابية سياسية مستقلة تُعبر عن طموحات الجيل الجديد.
• تقديم منح تدريبية وفرص تعليمية للشباب لتمكينهم من فهم العمل السياسي وممارسته بوعي.
• تنظيم حملات وطنية لتشجيع الشباب على الانخراط في العمل المدني والسياسي.
إعادة بناء الشرعية
• إصلاح الحكومة الشرعية جذرياً من خلال استبدال القيادات الفاسدة، وإجراء تغييرات حقيقية في هيكلها.
• إطلاق حوار وطني شامل يضم جميع الأطياف، بما فيها الشباب، والمرأة لتحديد أولويات المرحلة القادمة.
اليمن والشباب .. أمل يتجدد
رغم كل التحديات، يبقى اليمن بلداً غنياً بالكفاءات الشبابية والطموحات الوطنية، العزوف الحالي ليس سوى انعكاس لمرحلة استثنائية تعصف بالبلاد، وهو أمر طبيعي في ظل الفوضى والفساد.
ومع ذلك، فإن الأمل يتجدد عندما نؤمن بأن الشباب قادرون على قيادة التغيير، اليمن بحاجة إلى بيئة سياسية نزيهة وشاملة تُعيد الثقة للشباب وتُمكّنهم من الإسهام في بناء دولة حديثة، هذه ليست مهمة سهلة، لكنها ممكنة إذا تضافرت الجهود لإصلاح النظام السياسي وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس من النزاهة والشفافية.
الشباب ليسوا المشكلة، بل هم الحل، شريطة أن تُفتح أمامهم الأبواب ويُمنحوا الفرصة الحقيقية لصنع المستقبل.