Image

في إطار ما أثاره تقرير جهاز الرقابة والمحاسبة.. عطلت لأجله مؤسسات الدولة.. "الفساد" امتداد للخيانة الحلقة الثانية

تواصل التطرق الى تبعات تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة حول قضايا الفساد التي تناولها في قطاعات اقتصادية محدودة ابرزها "الكهرباء، والنفط والمصافي، والأراضي، والسلك الدبلوماسي، ومحافظ فساد".


ومنذ نشر التقرير عبر وسائل إعلام رسمية أبرزها وكالة الأنباء اليمنية "سبأ"، ضجَّت مواقع التواصل الاجتماعي بالعديد من التفاعلات التي تناولت التقرير من جوانب مختلفة، إلا أن اللافت في تلك التفاعلات "تبادل التهم" حول المؤسسات التي تناولها التقرير والجهة التابعة لها، فضلًا عن توقع عدد من الاسماء لشخصية المحافظ الفساد الذي تناوله التقرير بقضية فساد جسيمة".

اتفاق .. كلهم فاسدون
وخلال اليومين الماضيين، اتفق اليمنيون في تفاعلهم على مواقع التواصل الاجتماعي، على أن الفساد بات سمة رئيسية لجميع المكونات السياسية والعسكرية التي تشكلت عقب فوضى 2011 وانقلاب 2014 وما تلاها من حروب مستمرة حتى اليوم.
كما اتفقوا على ان جميع المسؤولين الذين تناوبوا على المناصب العليا والمتوسطة والصغرى، خلال الفترة التي تلت سقوط النظام وتدمير مؤسسات الدولة ونهبها، والممتدة من 2012 حتى مطلع العام الجاري 2025، "فاسدون ولصوص ومجرمون وتجار حروب تاجروا بالمعاناة الانسانية للمواطنين في جميع المناطق دون استثناء"، كما توقعوا ان  تستمر جرائم الفساد المالي والاداري والعسكري والأخلاقي في جميع قطاعات الدولة لفترات طويلة.
كما أشارت التفاعلات إلى الحياة الرغيدة التي يتنعم بها المسؤولون الحكوميون منذ السنوات الأولى لعملية التحرير لمناطق عدة من عناصر عصابة الحوثي الايرانية خاصة في عدن، كما اجمعوا على ان الموظف البسيط وخاصة المعلمين هم الأكثر مظلومية في ظل هذه الكمية الكبيرة من الفساد المستشري في مؤسسات ومرافق ومفاصل الحكومة المعترف بها دوليًا.

تقرير متفق عليه
وذهب العديد من المحللين الاقتصاديين المحليين من خلال تفاعلاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، على ان تقرير جهاز الرقابة حول احالة 20 قضية فساد الى النيابة العامة، بأن التقرير ووقت إعلانه متفق عليه بين السلطات الشرعية والتحالف العربي الداعم لها، وانه يصب في إطار إعادة رسم المسؤوليات في إطار هياكل الحكومة المعترف بها دوليًا.
واجمع المحللون على أن الشرعية بعد إعلان التقرير، باتت على المحك في تحقيق تطلعات المواطنين باستكمال مراحل مكافحة الفساد في القضايا المعلنة، ولم يعد مقبولًا البقاء في حالة اللافعل أمام ما يعانيه الشعب اليمني من عذابات يومية.
وتناولت تفاعلاتهم العديد من القضايا الانسانية التي أثرت عليها جرائم الفساد في مؤسسات الدولة لأكثر من 9 سنوات، ومنها الانهيارات المسجلة في الاقتصاد والمعيشية والعملة وارتفاع الاسعار، ووجود ملايين النازحين يعيشون في مخيمات تعصف بها قسوة الشتاء وحر الصيف، بينما يهدد شبح الجوع حياة الملايين في الداخل، حيث بات الموت جوعًا واقعًا يخشاه الجميع.
ورفض المحللون أي حالة انهزام تسجل من وراء الكشف عن قضايا الفساد الحالية، والخضوع الى أي ضغوطات بشان إبرام سلام مع عصابة الحوثي الايرانية، وفرض  مثل هذا المنطق الانهزامي، في حين ينتظر نحو 40 مليون يمني من هذا الكيان الهلامي الغير مستقر أن يسجل موقفًا واحدًا في مسيرته الممتدة لسنوات تخدم تطلعات اليمنيين.

تأثيرات الفساد 
وتظل القضايا الإنسانية التي تعيشها الأُسر اليمنية في ظل استشراء هذا الفساد المهول، الذي تم الكشف عن جزء بسيط ويسير منه في تقرير جهاز الرقابة، هي القضايا الرئيسية المتأثرة بهذا الفساد.
ويرى مختصون أن تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي تشهدها المناطق المحررة هي نتاج طبيعي لجرائم الفساد في مؤسسات الدولة والقائمين عليها, وتقع مسؤوليتها على عاتق الحكومة، نتيجة لفسادها المالي المستشري وقيامها بترحيل الأموال إلى الخارج وإبرام صفقات مشبوهة.

مخاوف من التقرير
وفي هذا الصدد ابدى العديد من المهتمين في قضايا مكافحة الفساد، مخاوفهم من ان يكون اعلان تقرير جهاز الرقابة حول قضايا الفساد المعلنة، يأتي في إطار مماحكات أو صراعات بين أشخاص او مكونات، وهذا لن يحقق نتائج إيجابية بل بالعكس سيضاعف الانقسامات داخل مكونات الشرعية ويزيد من هشاشتها!
وأكدوا على أهمية مكافحة الفساد لخطورته على جميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية وحتى العسكرية والاخلاقية، مشيرين إلى أن منهجية مكافحة الفساد لا بد أن تنطلق من إرادة سياسية حقيقية لمكافحة الفساد من خلال تفعيل الآليات التي تضمن الشفافية، الوقاية، المساءلة وسيادة القانون، وما يريده الشارع اليوم هو وضع حد للفساد خاصة من لحظة إعلان التقرير.
كما أكدوا بأن قضايا الفساد لا تسقط بالتقادم، رغم أن ما تم الكشف عنه في تقرير جهاز الرقابة لا يمثل سوى جزء يسير من الفساد المستشري على المستوى الرأسي والأفقي في إطار هياكل ومؤسسات السلطة الشرعية منذ بدء الحرب 2015، لافتين إلى أهمية أن تكون عملية مكافحة الفساد واضحة الآليات والإجراءات، ويتم مصارحة الشعب بكل تطور وجديد اتخذ بهذا الخصوص دون تستر او غموض، خاصة في كشف اسماء الفاسدين بكل شفافية ومصداقية.

منظومة متكاملة
ويرى المهتمون والعاملون في مكافحة الفساد في البلاد، بأن تقرير جهاز الرقابة فتح باب ذات أهمية كبيرة بالنسبة للصالح العام بالدرجة الأولى، ومن الأهمية بمكان وجود أبطال حقيقيين ووطنيين في إدارة مكافحة الفساد يبدأون بأنفسهم، من خلال الإفصاح عن ممتلكاتهم، وتطبيق ذلك على كل من يعمل معهم. وتساندهم، الأجهزة الرقابية، نيابة الأموال العامة، محاكم الأموال العامة “، التي يطلق لها الحرية الكاملة في محاسبة كل من ثبت تورطه في الفساد ونهب المال العام.
ويؤكدون على أهمية وجود نهج صحيح لمكافحة الفساد يرتكز على إصلاح المنظومة العاملة في هذا الاطار، وتعزيز الشفافية، وإشراك كافة الأطراف المجتمعية في هذا الجهد المشترك وليس من خلال نشر ملفات لقضايا الفساد، يمكن ان تنتهي بمجرد الوصول إلى توافقات معينة أو تظل مادة للمماحكات. 
وتوقعوا بأن تشهد المرحلة الراهنة ظهور أشخاص عديدين للخوض في هذا المجال، وان يعمل كل طرف على الدفع بالأشخاص التابعين له، وهذا لن يخدم نهج مكافحة الفساد والمواطن اليمني باعتباره المتضرر الأول من هذا الوضع، ولعلكم تتذكرون الملفات التي تم كشفها حول البنك المركزي اليمني قبل سنوات وتداعيات ذلك على الاقتصاد اليمني، وإلى اين انتهت؟!

شكوك حول التقرير
ومع كل ذلك، فقد ظهرت الى السطح العديد من الشكوك التي ابداها المراقبون والمتفاعلون والمهتمون والمتخصصون، حول حقيقة الإجراءات التي ستلي الاعلان عن تقرير جهاز الرقابة وإحالة قضايا الفساد الى النيابة، مرتكزين في شكوكهم على ان جميع المؤسسات الرقابية التي تعد الخطوط الأولى لاستمرار مكافحة الفساد معطلة او غير مفعلة، او لا يراد لها أن تعمل، لذلك فإن أي جهود لمكافحة الفساد ستظل محل شك ودون جدوى.
وللخروج من مرحلة الشك والتشكيك، أكدوا أهمية اتخاذ خطوات ضرورية وملحة، اهمها، إقرار مبدأ الشفافية في عمل المؤسسات، والكشف عن حجم الإيرادات والنفقات العامة، على المستوى الوطني والمحلي، وإعداد موازنة عامة للدولة تناقش على نطاق واسع وتنشر للعامة، وإعداد حسابات ختامية للحكومة، والهياكل الحكومية المختلفة بما فيها مجلس القيادة الرئاسي، وهيئة التشاور والمصالحة، وكافة الكيانات التي نشأت عقب الحرب، وكذلك الوحدات الاقتصادية، وإعلان كافة النفقات عبر المنصات الرسمية.

جرد الفساد 
ومن جهة أخرى، ظهرت تفاعلات تنادي بأهمية جرد الفساد الذي مورس خلال عشر سنوات ماضية، والبحث عن مكامن الخلل الذي ادى الى استشراء الفساد بهذا الشكل والحجم والطرق التي تم ممارستها اطراف الفساد في ممارسة فسادها،  والأسباب الرئيسية التي أدت إلى الوصول إلى هذا الوضع المزري.
وتناولت التفاعلات المكونات الرئيسية في ممارسة الفساد، احتل حزب الاصلاح المرتبة الأولى باعتباره اول من مارس الفساد في مؤسسات الدولة عقب تولي الرئيس عبدربه هادي للرئاسة، والتي قادت الى بقية المكونات التي شاركت في فوضى 2011 بقيادة الاصلاح نفسه الى ممارسة الفساد بشكل ممنهج، ما يؤكد ان تلك المكونات وخاصة الاصلاح كانت تناضل سياسيا وحزبيا وتروج للدعايات الكاذبة من اجل الوصول الى مركز السلطة حتى تقوم بممارسة الفساد والنهب والسلب والدمار، كانتقام من اليمن واليمنيين.
ومن خلال النظر الى ارتباط تلك المكونات الفاسدة التي ظهرت خلال العشر السنوات الماضية، بأن جميعها مرتبطة باجندة ودول خارجية، ولا تمت الى الوطن والوطنية بصلة، لذا هي مارست وتمارس الفساد دون مبالاة بحياة الشعب ومستقبل البلاد.
وتؤكد التفاعلات ان الاطراف الاخرى الى جانب عصابة الحوثي الايرانية، التي مارست الفساد المعلن والسري والمباشر والغير مباشر تتمثل في " الانتقالي الجنوب، والحكومة الشرعية نفسها"، وجميعها تتفرع منها مكونات محلية صغيرة ومتناهية بالصغر تمارس الفساد كل على حجمه وفي منطقته. 
وأوضحت بأن جميع الاعمال التي تمت بشكل رسمي بين الاطراف المشار اليها قادت البلاد الى ما تعيشه اليوم، خاصة الاطراف المباشرة التي عملت على تقسيم البنك المركزي والعملة المحلية، وتعطيل المؤسسات الرقابية والضبطية والقضائية، وكلها كانت اسباب في انتشار الفساد والفاسدين.
فالحكومة الشرعية، أوغلت في الفساد السياسي الإداري والمالي، ما أدى إلى ضعف الموارد في مناطق سيطرتها "المناطق المحررة"، ما ادى للعمل في نهب الواردات وابراز عقود غير قانونية وتنفيذ اعمال ومشاريع غير مخطط لها، وكلها اعمال جرت تحت الطاولة وتم فيها التحايل على اموال الشعب، خاصة فيما يتعلق بتصدير النفط والغاز التي كانت تذهب جميعها الى حسابات مسؤولين في الخارج.

اسماء فاسدة
وخلال اليومين الماضيين، تناول النشطاء والمتفاعلون اليمنيون العديد من الاسماء الفاسدة التي يجب إحالتها الى النيابة للمحاسبة والقصاص منها، خاصة فيما يتعلق بالمحافظ المجهول الهوية الذي ورد اسمه في تقرير جهاز الرقابة والذي نهب مبالغ وصلت الى 150 مليار ريال، تم تجميد 72 مليار ريال منها حسب التقرير.
وفي هذا الصدد تبادل مكون الاخوان "الاصلاح" والانتقالي التهم حول هوية تلك الشخصية الفاسدة، حيث تؤكد عناصر الاصلاح بان الشخصية او المحافظ المشار اليه في تقرير جهاز الرقابة هو قيادي في المجلس الانتقالي راجح سعيد باكريت محافظ محافظة المهرة السابق، في حين تحدثت اطراف في الانتقالي بان المحافظ الفاسد الوارد اسمه في التقرير هو محمد صالح بن عديو محافظ محافظة شبوة السابق، فيما تردد اسم آخر هو امين العكيمي محافظ محافظة الجوف السابق المنتمي ايضا لحزب الاصلاح "الاخوان".
وفي النظر الى الاسماء الثلاثة يتأكد للمتابع بان المحافظ المشار اليه في التقرير، لن يخرج من اطار الاسماء الثلاثة المذكورة، بمعنى ان قضايا الفساد الكبرى والرئيسية مقتصرة على المكونين خاصة حزب الاصلاح الذي لم يتم التطرق الى فساده في التقرير رغم ما تم نشره خلال السنوات الماضية من قضايا فساد مسجلة باسماء اخوانية.
ومن الاسماء التي تم الإشارة الى فسادها خارج نطاق التقرير، السفير الإخواني في ماليزيا، عادل باحميد، المتورط في اختلاس 4 ملايين دولار من خزينة البنك المركزي في حضرموت بعد تسليم المكلا لتنظيم القاعدة في 2015، وفراره إلى السعودية، في خيانة لأمانة منصبه ودوره الرسمي.
كما تم الحديث عن فضيحة اختفاء مليون دولار من رسوم استخراج جوازات السفر في السفارة اليمنية في ماليزيا، التي تم جمعها ولم يتم توريدها للخزينة العامة، في تجاوز صارخ للقوانين.
وكذا اختلاس خمسة ملايين دولار من الرسوم الإضافية التي فرضها السفير على الحصول على الفيزا دون أي سند قانوني، مما يثبت تورطه في عمليات فساد ممنهجة.
وسرقة مليون دولار من الرسوم المفروضة للتصديقات والتوكيلات والخدمات القنصلية، والتي لم يتم توريدها إلى الدولة، في استغلال فاضح للمال العام، الى جانب استخدام السفارة كأداة لغسيل الأموال، حيث استغل الحساب الرسمي للسفارة في جمع التبرعات لصالح جمعيات مشبوهة مثل جمعية رياحين وجمعية إنسان، بالإضافة إلى تمويل شراء شقق ومطاعم لرجال أعمال في الشرعية وحزب الإصلاح، في خيانة للقيم الوطنية.

فساد شركات غير معلن
ومن خلال تتبع التفاعلات على مواقع التواصل الاجتماعي حول قضايا الفساد، برزت قضايا شركات لم يتطرق اليها التقرير ومنها شركة صافر النفطية في محافظة مأرب الواقعة تحت ادارة حزب الاصلاح، وشركة طحن الاسماك، وشركات مقاولات تابعة لشخصيات سياسية كشركة السعدي للمقاولات وبيع الطاقة الكهربائية، وشركة الاهرام والشركة القطرية وهي شركات تبيع الطاقة مارست فساد متعلق بكهرباء عدن.

أخيرًا .. تظل قضايا الفساد هي الأبرز التي شهدتها الساحة اليمنية خلال السنوات العشر الماضية، فقد تم ممارسة فساد مهول تحدثت عنه الوثائق والتقارير بمبالغ تجاوزت 13 مليار دولار خلال ثمان سنوات كلها ذهبت الى جيوب مسؤولين وجهات معدودة فيما الشعب يقبع في مستقنع الفقر والعوز والفاقة ينتظر الفرج من تلك المكونات والشخصيات المسؤولة ان تأتيه بالتحرير واستعادة الدولة.. فالفساد المستشري امتداد لخيانة الوطن التي بدأت في فبراير 2011.
يتبع..