مواجهة الفساد .. تحديات وآمال التغيير في تعز
في زمنٍ تشهد فيه المجتمعات تزايدًا ملحوظًا في ظاهرة الفساد بجميع أشكاله، يصبح من الضروري أن نتناول هذه القضية بعمق وموضوعية. الفساد ليس مجرد ظاهرة اجتماعية أو اقتصادية، بل هو آفة تؤثر على كل جوانب الحياة، من التعليم إلى الصحة، ومن الخدمات العامة إلى التنمية الاقتصادية. إنه يُشكِّل عائقًا حقيقيًا أمام التقدم والازدهار، ويقوض الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة.
عندما نتحدث عن الفساد، نجد أن هناك من يتحدث عن القانون وكأن ما يحدث حولنا هو مجرد مسألة عابرة تتعلق بتقديم وتأخير الأسماء أو الألقاب. لكن هذه الممارسات لا تعكس فقط عدم الوعي بالوضع القائم، بل تمثل تجاهلاً صارخًا لحجم المشكلة. إن المناصب التي تُعطى لبعض الأفراد، والتي تُفصّل لتناسب مصالحهم، لا تعكس أبداً ما يُفترض أن تمثله السلطة من قيم وأخلاقيات. بل على العكس، تؤدي إلى تفشي روح الانتهازية والمصالح الشخصية على حساب المصلحة العامة.
في هذه الفترة، باتت الأمور أكثر وضوحًا، حيث تسربت المعلومات وأصبح الفساد مكشوفًا للجميع. بينما يتبجح البعض بمناصبهم، يظل الآخرون في حالة من الضياع، غير مدركين لمدى تفشي الفساد حولهم. إن عدم الفهم هذا ليس مجرد جهل، بل هو نتيجة لثقافة استبدادية تُفرّغ المؤسسات من مضمونها وتُعزز الفوضى. إن من يتحدثون عن القانون وكأنهم أصحاب سلطة، هم في الواقع يُسهمون في تضليل المجتمع، حيث يتجاهلون ما يحدث من انتهاكات وفساد واضح أمام أعينهم.
يجب أن نتوقف للحظة أمام مرآة أنفسنا، فالجميع يعرف من نحن وما نمارسه من مغالطات. إن إدراكنا لهذه الحقائق هو الخطوة الأولى نحو التغيير. المدينة التي نعيش فيها، كتعز، تحملت الكثير، وأبناؤها، حتى الفاسدين منهم، يدفعون ثمن الفساد الذي يعصف بها. ورغم كل ذلك، نواصل العمل ونبذل الجهود من أجل تحسين الأوضاع، لأن الأمل لا يزال موجودًا.
إن الفساد لا يقتصر على مجرد استغلال السلطة، بل يمتد ليشمل الفشل في تحمل المسؤوليات. فالكثير من الأفراد في مواقع السلطة لا يدركون أنهم يمثلون واجهة المجتمع، وأن أفعالهم تُسجل وتُراقب. يجب أن يكون هناك وعي جماعي بأن الفساد يتسبب في تدهور الخدمات الأساسية، ويؤدي إلى تفشي الفقر والبطالة، مما ينعكس سلبًا على حياة المواطنين.
من الضروري أن نُعزز ثقافة الشفافية والمساءلة، وأن نعمل على بناء مؤسسات قوية قادرة على مواجهة الفساد. يجب أن يكون هناك تفاعل بين المواطنين والسلطات، بحيث يتمكن الجميع من التعبير عن مخاوفهم وملاحظاتهم بخصوص أي نوع من الفساد أو الانتهاكات. فتعزيز المشاركة المجتمعية يعزز الثقة ويُسهم في خلق بيئة صحية للتغيير.
في الختام .. يجب أن نتذكر أن الفساد ليس مجرد مشكلة فردية، بل هو ظاهرة جماعية تتطلب تعاون الجميع للقضاء عليها. لنستعد جميعًا للعمل من أجل مدينتنا، ولنكن جزءًا من الحل، وليس جزءًا من المشكلة. إن تعز، المدينة التي عانت كثيرًا، تستحق منا كل الجهود المخلصة لإعادة بناء ما تهدم والعمل على مستقبل أفضل. لنفكر في الأجيال القادمة، ولنُدرك أن كل خطوة نخطوها نحو مكافحة الفساد تُعتبر استثمارًا في مستقبل أفضل لنا جميعًا.