اليمن .. جراح لا تلتئم وآمال لا تموت
يا يمن السعيد، كيف حالكِ؟.
أكتب إليكِ، يا أمي، بكلمات تختنق بالحزن والأسى. كنتِ في يومٍ من الأيام منارةً للعالم، أمًّا عظيمةً للإنسانية، ورمزًا للبناء والعدل والقوة. كنتِ أرضًا تجمع بين الثقافة والإبداع، والاقتصاد المزدهر، والقيم النبيلة التي جعلتكِ نموذجًا يُحتذى به بين الأمم. كنتِ حضنًا دافئًا لأبنائكِ، رمزًا للفخر والشجاعة، وأيقونةً للرجولة والكرامة.
كنتِ مثالًا للحب والعطاء، مهبطًا للقيم النبيلة، وملاذًا للكرامة. كنتِ تجمعين أبناءكِ تحت رايةٍ واحدة، راية العز والشموخ. لكن اليوم، أصبح كل شيء حطامًا. تفرقنا في الطرق، مزقنا بأيدينا روابطنا، حتى أصبحتِ جسدًا بلا روح، تحاولين الصمود رغم كل ما حل بكِ.
من أبناؤكِ يا أمي الذين قتلوكِ؟
أبناؤكِ الذين كان يُفترض بهم أن يكونوا حُماةً لكي، كانوا أول من طعنكِ. هم من سمحوا لليد الغريبة أن تعبث بخيراتكِ، وهم من تاجروا بدماء شهدائكِ. ماذا أقول لكِ عنهم؟، عن أولئك الذين رفعوا شعارات الحب للوطن، لكنهم باعوكِ بأرخص الأثمان
أمي، الحزن عليكِ لا يوصف.
كم يؤلمنا أن نراكِ في هذه الحالة. كم يمزقنا أن نعلم أنكِ تعيشين بين أنقاض أحلامكِ، وأنكِ تئنين من الجراح التي أُثقلت بها. لكن، يا أمي، رغم كل هذا الحزن، ما زلتِ تُلهميننا بالصبر. ما زلتِ تذكريننا أنكِ شامخة، حتى لو انحنى ظهركِ قليلًا من ثقل الهموم.
يا أمي،أطفالكِ يولدون اليوم بلا أحلام، لأنهم نشأوا في زمن فقد فيه الأمل، حيث ضاع المستقبل معهم. قيمتكِ الاقتصادية انتهت، بعدما كانت أساسًا لنهضة وأملًا للأجيال.. تعليمكِ، الذي كان يومًا منارات تنير الطريق، أصبح مجرد ذكريات تُغتال.. مكانتكِ بين الدول ضاعت، وأنتِ التي كنتِ في المقدمة، تحملين على كاهلكِ تطلعات شعب وأمة. رجال غابوا، وساهموا في إضعافكِ، بينما بقيتِ وحدكِ تواجهين الفوضى والخراب.
يا أمي، خسرتِ كل شيء كان يمدك بالقوة والعزة. خسرتِ بنيانكِ الذي كان يومًا شامخًا، يحمل على أكتافه أحلام الأجيال.
تهدمت مؤسساتكِ، واهتزَّ النظام والقانون الذي كان يضمن لكِ الحق والعدل. أضحيتِ الآن تُصارعين وحيدة على أنقاض الماضي الذي كان مزدهرًا.
لماذا انتي هكذا ، ماذا حل بكِ اليوم؟، أين ذهبت عروبتك ووطنيتك ومجدك وشموخك؟، كيف تحولتِ من يمن السعيد إلى يمن الجراح، من وطنٍ شامخٍ إلى أطلالٍ تقوده . السفله.وتسكن فيك الأحزان؟
أمي، الحبيبه، الا يكفي الجرح النازف فيك قلوبنا تتمزق؟، كيف أخبركِ أننا نعيش في غربةٍ داخل وطنٍ تمزق أوصاله، وتمزق نسيجه وقانونه ودستوره وعدله، وفُقدت هيبته وكرامته وإنسانيته وأخلاقه؟. أكتب إليكِ بكلماتٍ يثقلها الحزن والالم ، فلا شيء يليق بمقامكِ سوى مأسينا ودموعنا المثخنة بالجراح وقلوبنا المثقلة بالأسى.
يا أمي، كنتِ الوطن الذي يحلم به الجميع، وكنتِ مثالًا للحضاره والثقافه العربيه ومقر العدل والسلام والبناء للحب والعطاء، مهبطًا للقيم النبيلة، وملاذًا للكرامة. كنتِ تجمعين أبناءكِ تحت رايةٍ واحدة، راية العز والشموخ. لكن اليوم، أصبح كل شيء حطامًا. تفرقنا في الطرق، مزقنا بأيدينا روابطنا، حتى أصبحتِ جسدًا بلا روح، تحاولين الصمود.
من أبناؤكِ يا أمي الذين قتلوكِ؟
أبناؤكِ الذين كان يُفترض أن يكونوا حُماةً لكي، كانوا أول من طعنكِ. هم من سمحوا لليد الغريبة أن تعبث بخيراتكِ، وهم من تاجروا بدماء شهدائكِ. ماذا أقول لكِ عنهم؟، عن أولئك الذين رفعوا شعارات البناء والخير للوطن لكنهم باعوكِ بأرخص الأثمان. طعنك أبناؤكِ الذين تغذوا من وريدك وشريانك ؟
لم تكن طعناتكِ من أعدائكِ البعيدين فقط، بل كانت من بعض أبنائكِ الذين تخلّوا عن قيمهم ومبادئهم الوطنيه والانسانيه والاجتماعيه وخانوكِ.
امي الحبيبه، كنتِ مثالًا للحب والعطاء، مهبطًا للقيم النبيلة، وملاذًا للكرامة. كنتِ تجمعين أبناءكِ تحت رايةٍ واحدة، راية العز والشموخ. لكن اليوم، أصبح كل شيء حطامًا. تفرقنا في الطرق، مزقنا بأيدينا روابطنا، حتى أصبحتِ جسدًا بلا روح، تحاولين الصمود رغم كل ما حل بك.
يا أمي، من يعيد اسمك وقيمتك ومكانتك وهيبتك ودستورك ونظامك وقانونك وعدلك وكرامتكِ المفقوده التي كانت تاجكِ؟. أصبح الفساد قانونًا يحكم مؤسساتكِ، وتحولت حقوق الإنسان إلى كلماتٍ بلا معنى. الشهداء والجرحى، الذين بذلوا أرواحهم ليحيا هذا الوطن، أصبحوا سلعةً تُساوم بها الأحزاب والجماعات التي باعت ترابكِ للغرباء، واستباحت سيادتكِ، وحوّلت أرضكِ إلى منصةٍ لتنفيذ أجنداتٍ خارجيه. صنعاء و تعز دليل علي ذلك، وكأن جراحكِ من الداخل لم تكن كافية، حتى جاءكِ الخذلان من القريب والبعيد.
انتظرتِ يدًا تمتد لتمسح عنكِ ألمكِ، فإذا بالأيدي تُغرس في ظهركِ بخناجر الغدر. تركوكِ وحيدةً تُصارعين، وجعلوكِ ساحةً لتصفية الحسابات وتحقيق المصالح.
يا أمي، ماذا خسرتِ؟، خسرتِ كل ما كان يجعل منكِ أُمًّا عظيمة. خسرتِ بنيانكِ، تهدمت مؤسساتكِ، وغاب النظام والقانون، وأصبحتِ تعيشين على أنقاض الماضي. لم يكتفِ أبناؤكِ بخيانتكِ، بل جاء الخذلان ممن كنتِ تظنين أنهم الأقرب إليكِ. تركوكِ تصارعين وحيدة، يشاهدون انهياركِ وكأنكِ لستِ أمهم. زادوا ألمكِ واداروا ظهورهم، وجعلتك مصالحهم مجرد ورقةٍ تُلقى على طاولات المفاوضات.
أمي، الأمل في أن يعود أبناؤكِ إلى رشدهم يوما ما. ربما هو الإيمان العميق بأن الخير لا يزال يسكن بين طياتكِ، وأن الغد قد يحمل من ينصفكِ ويعيد مجدكِ.
خسرتِ قوتكِ، رجالكِ يُقتلون، وشبابكِ يتشردون، ونساؤكِ يُستضعفن. خسرتِ أمنكِ، أصبحت أرضكِ مرتعًا للفوضى والصراعات المسلحة. خسرتِ مكانتكِ. كنتِ يومًا نموذجًا للعالم، أما اليوم فأصبح اسمكِ يرتبط بالمآسي والحروب.
ما الذي حل بكِ يا أمي؟، نزف دمكِ من كل ناحية، تهدمت بنيتكِ، أصبح أبناؤكِ مشردين في الداخل والخارج. نساؤكِ يعانين من فقد الأمان، وأطفالكِ يُولدون بلا أحلام. أصبحتِ ساحةً للموت المجاني، وحقولكِ الخضراء تحولت إلى مقابر للشهداء.
يا أمي، كرامتكِ غابة، كرامتك التي كانت تاجكِ، أُهينت. اصبح ابنائك يشحتونا في دول الجوار.موطنك أصبح الفساد قانونًا يحكم مؤسساتكِ، وتحولت حقوق الإنسان إلى كلماتٍ بلا معنى. الشهداء والجرحى، الذين بذلوا أرواحهم ليحيا هذا الوطن، أصبحوا سلعةً تُساوم بها الأحزاب والجماعات. العداله انتهت. يكفيك دروس. للحياه.القانون سندك ودستورك.
أمي، لا تكفي الكلمات لردّ الجميل إليكِ، ولا يكفي الحزن لإنصافكِ. لكننا ندرك أن ما تتطلبينه منا البكاء على أطلالكِ، بل العمل الجاد لاستعادتكِ.
أمي، أنتِ أقوى من كل الجراح، مهما طالت ليالي الألم، ومهما كان الخذلان قاسيًا، فإننا نؤمن أنكِ ستنهضين يومًا ما. ستغسلين عنكِ غبار المعارك، وستعودين كما كنتِ: يمن السعادة، يمن الكرامة، يمن الإنسانية. لكن رغم كل شيء ستظل روحكِ تتحدى الخراب، وستظل رياحكِ تعصف بكل من يحاول دفنكِ في ظلال اليأس.
لقد خسرتِ الكثير، يا أمي، لكنكِ لم تخسري عزيمتكِ، ولن تُطفئ الحروب كل أمل في قلبكِ.
يا أمي، أنتِ هكذا لأنكِ جبلتِ على الصبر والتحمل، فقد علمتنا كيف نواجه المصاعب وكيف ننهض من الأوجاع. لكنكِ يا أمي، تمتلكين القدرة على اختيار من يستطيع لملمة جراحكِ وإعادة بناء بنيانكِ.
يا أمي، من يعيد كل هذا إلا شعبكِ الذي آمن بكِ، وأدرك قيمتكِ الحقيقية؟
من يعيد دستوركِ إلا العقلاء الذين يؤمنون بالعدل والحق؟ من يعيد نظامكِ إلا الصادقين الذين يضعون المصلحة العامة فوق كل اعتبار؟، من يعيد هيبتكِ إلا الشرفاء الذين يحمونك من الفساد والخراب؟
يا أمي، قيمتكِ ومكانتكِ لا تضيع طالما فيكِ أناس لا يرضون لكِ الذل ولا يقبلون عليكِ النقصان. أنتِ تعرفين كيف تحولين الألم إلى درس، وكيف تستغلين المحن لبناء القوة. سنعود إليكِ، نبني ما تهدم، ونضمد الجراح، ونعيد لكِ مجدكِ الذي لا يُنسى. انهضي. فلك العهد والوعد والوفاء.
علينا أن نعيد بناء نظامكِ القانوني ومؤسساتكِ التعليمية والصحية لتعودي قويةً كما كنتِ.
علينا محاسبة الفاسدين، فلن يُشفى جرحكِ دون محاسبة كل من تاجر بكِ واستغل ونهب ثرواتك ومزق نسيجك وانتهك نظامك ودستورك وتعامل مع الخارج للأفسد في أرضكِ.
علينا تعزيز الوحدة الوطنية، لن تعودي كما كنتِ إلا إذا نفذتي مبادئ الميثاق الوطني لجميع أبنائكِ لتعزيز قيم العدل والمساواة، ليعود الي رشدهم و يتركوا خلافاتهم جانبًا
كما علينا احترام قانون حقوق الانسان ومواثيق الامم المتحده.
نعم يجب حمايته الشهداء والجرحى وحفظ حقوقهم ورفع مستواهم وقيمتهم ومكانتهم و أن نضمن حقوق كل من ضحى من أجلكِ، ونمنع أي استغلالٍ سياسي لتضحياتهم.
يجب محاربة الجهل والفقر، وأن نعيد العلم إلى مدارسنا، والأمل إلى قلوب أبنائكِ الذين يعانون من الفقر واليأس.
يا أمي، رغم الجراح، لن نستسلم، نعلم أن جراحكِ عميقة، وأن الطريق طويلٌ لاستعادتكِ كما كنتِ، لكننا لن نتخلى عنكِ. سنحمل راية الأمل، وسنواصل النضال من أجلك، و لن نسمح لمن من خانوكِ وخذلوك وطعنوك من الخلف ان يستمروا في تدميركِ، ولن نسمح للغرباء أن يتحكموا بمصيركِ.
يا يمننا، يا أمنا، سنحمل عنكِ بعض الأوجاع، سنعيد ترميم الجراح. مهما خذلنا العالم، فلن نخذلكِ. أنتِ السعادة التي نحلم بها، الكرامة التي نسعى إليها، والإنسانية التي تسكن في أعماقنا.
سيأتي اليوم الذي تنهضين فيه من بين الركام، وسيُكتب على جبينكِ، هنا وطن لا يموت.
يا أمي، مهما طالت هذه المعركة، سيبقى حبكِ لوطنكِ شعلة لا تنطفئ، ويمنكِ سيعود يوما ليزهر من جديد.
ولكل من خانكِ، سيأتي يوم تُحاسب فيه على أفعالك. التاريخ لن يرحم من باعوا وطنهم، ولن يغفر الله لمن مزقوا نسيجه. اليمن ليست سلعةً تُباع وتُشترى، وليست ساحةً لتحقيق مصالح ضيقة. اليمن وطنٌ عظيم، وأبناؤه المخلصون سيعيدون بناءه رغم كل الصعاب.
يا أمي، لكِ الوعد والعهد منا أننا لن ننساكِ، ولن نستسلم حتى تعودي شامخةً كما كنتِ. سنعيدكِ يمن السعادة، يمن العدل، يمن العلم، يمن القوة والشجاعة، و سنحمل عنكِ بعضًا من أثقالكِ، وسنواصل العمل من أجل عودتكِ كما كنتِ. لن ننتظر من أحدٍ أن يداوي جراحكِ، لأننا أدركنا أن الشفاء لا يأتي إلا من الداخل. ستعودين لتكوني أمًّا عظيمةً لكل أبنائكِ، سوف ترفرف بالمجد والشموخ وبالكرامة والفخر راياتك.
مهما كانت الجراح، الأمل لا يموت. يامي وسنظل نعمل ونناضل حتى نرى ذلك اليوم الذي تعود فيه ابتسامتكِ، وتزهر أرضكِ، وتعود مكانتكِ بين الأمم كما كنتِ دائمًا.
لكنكِ لستِ مجبرة على تحمل كل هذا وحدكِ.
قادرة أنتِ على النهوض، وقادرة على أن تختاري الطريق الصحيح الذي يعيدكِ إلى مجدكِ وتاريخك وشموخك.ستستعيدين قوتكِ، ولن يضيع تاريخكِ الذي سطرته بدماء الشرفاء والمخلصين الوطنيين.
ستنهضين كما نهضتِ من قبل، وستعودين إلى المكانه الذي تليق بكي لا بغيركِ، أمًّا عظيمة، تليق بها الحياة والكرامة.
ولأنكِ كنتِ يومًا في المقدمة، ستعودين إليها، وسيُكتب عنكِ مجد جديد يعيد الأمل للأجيال القادمة.لكن رغم كل ما مررتِ به، يا أمي، سيظل هناك أمل في العودة.
*باحث اجتماعي وأكاديمي