مكافحة الإرهاب البحري .. معركة جديدة مع الإرهاب لحماية الأمن العالمي
مع تصاعد التهديدات الإرهابية عالميًا؛ لم تعد المواجهة تقتصر على البر والجو فقط، بل انتقلت إلى السواحل والمياه المفتوحة، ليصبح الإرهاب البحري واحدًا من أكبر التحديات التي تواجه الأمن العالمي، حيث تستغل الجماعات الإرهابية البحار والمحيطات لتنفيذ عملياتها، سواء عبر استهداف السفن، تهريب الأسلحة والمخدرات، أو تعطيل التجارة العالمية.
الإرهاب البحري.. تهديد متزايد
ويتضمن الإرهاب البحري أي نشاط إرهابي يُنفذ في المياه الإقليمية أو الدولية، سواء عبر استهداف السفن التجارية أو الحربية، أو حتى البنية التحتية البحرية مثل المنصات النفطية.
ولعل من أبرز الهجمات التي لفتت الانتباه دولياً إلى خطورة هذا النوع من الإرهاب، هو الهجوم على المدمرة الأمريكية "يو إس إس كول" في العام 2000 للميلاد، عندما فجَّر تنظيم القاعدة الإرهابي قاربًا صغيرًا بالقرب من السفينة في ميناء عدن، مما أسفر عن مقتل 17 بحارًا، أضف إلى ذلك القرصنة والإرهاب في خليج عدن والقرن الأفريقي، حيث تداخلت أنشطة الجماعات الإرهابية مثل حركة "الشباب" الإسلامية الصومالية مع القرصنة التقليدية، وذلك لتمويل عملياتها الإرهابية الأخرى.
أهداف الإرهاب البحري
كما أن الإرهاب البحري لا يقتصر فقط على العنف المباشر، بل يمتد إلى تهديد سلاسل وممرات الإمداد العالمية، وتعطيل الاقتصاد الدولي، لتشمل أهدافه تعطيل التجارة الدولية، خصوصًا مع عبور نحو 80% من التجارة العالمية عبر البحار، فيصبح استهداف الممرات المائية -مثل قناة السويس ومضيق هرمز- ضربة قاسية للاقتصاد العالمي.
كذلك تمويل الجماعات الإرهابية، تقع ضمن أهداف الإرهاب البحري، فتُستخدم المياه كطريق لتهريب الأسلحة والمخدرات، وحتى البشر، مما يوفر مصدرًا ماليًا مهمًا للجماعات الإرهابية.
ناهيك عن ما يمكن للإرهاب البحري التسبب فيه، من كوارث بيئية واسعة النطاق، من خلال استهداف ناقلات النفط.
استراتيجيات مكافحة الإرهاب البحري
ولمواجهة هذا الخطر المتصاعد، اتخذت دول العالم مجموعة من الخطوات لتعزيز الأمن البحري، فقد أدت التهديدات المشتركة إلى تزايد التعاون بين الدول عبر مبادرات دولية، مثل القوة البحرية المشتركة (CMF)، وهو تحالف يضم أكثر من 30 دولة، يعمل على تأمين المياه في الخليج العربي وخليج عدن، كذلك بعثة الاتحاد الأوروبي لمكافحة القرصنة والإرهاب بالقرن الأفريقي.
ومن استراتيجيات مكافحة الإرهاب البحري أيضًا استخدام التكنولوجيا المتقدمة، حيث تعتمد جهود مكافحة الإرهاب البحري بشكل متزايد على التكنولوجيا، كالطائرات بدون طيار لمراقبة المياه المفتوحة، وأنظمة الرادار المتطورة لتتبع السفن المشبوهة، وحتى الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات واكتشاف الأنشطة غير القانونية.
ولأن الإرهاب البحري قابل للتمدد والانتشار، فقد تطلبت التهديدات الإرهابية تطبيق إجراءات أمان صارمة في الموانئ أو حتى عرض البحر، بما في ذلك تفتيش السفن باستخدام أجهزة متقدمة، وتدريب الطواقم على التعامل مع التهديدات الإرهابية، كذلك استخدام فرق أمنية مسلحة على متن السفن التجارية في المناطق عالية الخطورة.
كما عملت الدول على محاربة التمويل غير المشروع عبر العمل على تتبع شبكات التهريب التي تستخدم البحر كطريق لنقل الموارد المالية للجماعات الإرهابية.
التحديات القائمة
ورغم الجهود المبذولة، لا تزال هناك تحديات كبرى تعرقل مكافحة الإرهاب البحري كامتداد المناطق البحرية، فمع وجود مساحات شاسعة من المياه المفتوحة، يصبح من الصعب مراقبتها جميعًا، ناهيك عن تداخل أنشطة الجماعات الإرهابية مع الجريمة المنظمة، ما يصعب تحديد المسؤولين عن التهديدات، بينما تعمل بعض الجماعات الإرهابية في المياه الدولية، حيث تتعقد الجهود القانونية لمواجهتها.
وسيظل الإرهاب البحري يشكل تهديدًا متناميًا للأمن العالمي، مع تزايد استغلال الجماعات الإرهابية للطبيعة المفتوحة والحدود الغير واضحة للبحار لتنفيذ عملياتها، رغم التقدم الكبير في تقنيات وتكنولوجيا الرصد، فالقضاء على هذا الخطر يتطلب استراتيجيات مستدامة ومتكاملة تجمع بين الأمن، التنمية، وتعزيز سيادة القانون على المياه الدولية، حتى يسود الأمن البحار، وتنتهي بها صراعات الفوضى والدمار.